نستمر في تقديم سلسلة آداب الانترنت إليكم و في هذه الحلقة سنناقش ظاهرة هامة وهي سرقة المحتوى الالكتروني. يتميز المحتوى العربي على الانترنت بالميل إلى الكسل و هي ظاهرة عربية بامتياز ونتيجة لرغبة الكثير من صناع المحتوى العربي على الانترنت في صناعة محتوى كبير وفي أقل وقت و بأقل تكلفة فإن الكثير من مطوري مواقع الانترنت العرب و مديري الصفحات و المجموعات على الشبكات الاجتماعية يميلون في كثير من الأحيان إلى سرقة المحتوى من المواقع الأخرى و منشورات الأشخاص الآخرين وحتى منشورات الصفحات الأخرى الأقل شهرة. يحاول الكثير من سارقي المحتوى العربي التغلب على الوازع الأخلاقي في نشر مجهود شخص آخر عن طريق كتابة كلمة (منقول) و اضافتها للمنشور بعد سرقته و قد لا يذكرون اسم الكاتب الأصلي في كثير من الأحيان.
السرقة الادبية تعني اصطلاحا نسخ محتوى ما من شخص آخر ونسبه لنفسك بدون أي ذكر للكاتب الأصلي وادعاء أن هذا المحتوى هو محتوى أصيل لك بل وقد يصل الأمر بالبعض لاتهام الكاتب الأصلي (و هو شخص أقل شهرة في الغالب) بالسرقة من صاحب الشهرة الأكبر!. السرقة الأدبية في الأدب العربي قديمة قدم الأدب ذاته و بقراءة بسيطة في أدب الأقدمين سنجد العديد من حالات السطو الأدبي من أشعر الشعراء و أقواهم قريحة مثل قول جرير:
إنَّ الذين غدوا بلبِّكَ غادرُوا وشلاً بعينِكَ لا يزالُ معينَا
غيَّضنَ من عبراتهِنَّ وقلنَ لي ماذا لقيتَ منَ الهوى ولقينَا
وقد سرق البيتين من الشاعر الأقل شهرة (المعوط السعدي). و كذلك فعل الفرزدق بالشاعر الأضعف منزلة (الشردل اليربوعي) عندما غصب منه البيت التالي و هدده بقوله (والله لتدعنه أو لتدعن عرضك):
فَما بَينَ مَن لَم يُعطَ سَمعاً وطاعةً وبَين تَميمٍ غَيرُ حَزِّ الحَلاقِمِ
الأدب العربي الحديث كذلك يحفل بالكثير و الكثير من الاتهامات بالسرقة الأدبية مثل اتهام الكاتب (يوسف زيدان) بسرقة رواية (عزازيل) من رواية (أعداء جدد بوجه قديم) وهي رواية انجليزية تعود لعام 1853 و أيضا تم اتهام الكاتبة فاطمة الغزالي بسرقة رواية تدعى (حورس) من الكاتب ضياء الدين خليفة. اتهامات السرقة الأدبية تعدت الأدب لتصل لعالم الغناء في كثير من الاحيان حيث تم اتهام موسيقار الأجيال (محمد عبد الوهاب) بسرقة العديد من الألحان القبرصية و أيضا اتهام الملحن سرقة كلمات و لحن أغنية (رسمي فهمي نظمي) لتامر حسني و محمد رحيم من المطرب لطفي بوشناق في أغنيته (أنا حبيت).
الخلاصة أن السرقة الأدبية موجودة بالفعل قبل عصر الانترنت بكثير ولكن الخلاف الملفت للنظر أن حالات السرقة القديمة كانت تتمتع دوما بجودة المحتوى وتذوق الشاعر أو الكاتب للمحتوى المسروق و اعجابه الشديد به ليقوم باستعارته أو سرقته. أما الآن فالسرقة تتم بطريقة رديئة لمحتوى رديء في أغلب الأحيان سعيا وراء الانتشار السريع و البحث عن الاعجابات (اللايك). المخجل أيضا في الأمر أن اللص الالكتروني لا يجني أي أموال من جراء السرقة في معظم الأحوال فلا توجد أي منفعة من وراء السرقة سوى البحث عن الشهرة الالكترونية و زيادة أعداد المتابعين لصفحة فيسبوك الخاصة به ليس أكثر.
أما الاقتباس على الجانب الآخر فهو طريقة محمودة و شرعية للاستدلال و اعطاء مراجع و مصداقية للمحتوى المنشور ويكون الاقتباس في خلال نسبة قليلة من المحتوى الأصلي ولا يجب أن يتخطى نسبة العشرين بالمائة من المحتوى ككل ويجب الالتزام باضافة اسم الكاتب الأصلي للمحتوى و الاشارة إليه. الاقتباس عملية معروفة في كتابة المحتوى ولا بأس بها ان تم استخدامها بالأطر المسموح بها و بالطريقة المشار إليها مسبقا وجميع الدوريات العلمية المنشورة تعتمد على الاقتباس من كثير من المراجع الأخرى للابتشهاد برأي علمي أو نتيجة بحث ما و أيضا في عالم الانترنت و النشر الالكتروني فإن الاقتباس و الاشارة بالمراجع و الروابط الالكترونية إلى المحتوى الأصلي يفيد الناشر كثيرا في ربط موقعه بطريقة أفضل بمحركات البحث وافادة القارئ عن طريق توسعة نطاق القراءة و البحث و اضافة مصداقية أكبر للمحتوى المنشور.
المشكلة الأكبر التي لا يعيها صانعوا المحتوى العربي الذين يقومون بسرقة صفحات كاملة من مواقع أخرى هي أن تصنيف محركات البحث سيقوم باستثناء الصفحات ذات المحتوى المسروق أو غير الأصيل من محركات البحث وسيتم معاقبة الموقع ككل باضافته لقائمة جوجل السوداء وهي قائمة مليئة بالمواقع ذات المحتوى غير الأصيل و المسروق من مواقع أخرى ولن يخبرك جوجل بهذا بل سيتم تخفيض ترتيب موقعك في نتائج البحث و ازالته تماما اذا استرت سرقة المحتوى.
صانع المحتوى الغربي يعي هذه الحقيقة تماما ولذلك قلما تجد موقعا يقوم بالاقتباس من مواقع أخرى لكيلا يتعرض لعقوبة محركات البحث. حتى في نشر الصور و المقاطع المصورة فإن الناشر الغربي يتحرى حقوق ملكية المحتوى للناشر الأصلي و يقوم باضافة إسم الناشر الأصلي لللمحتوى المرئي أيضا.
الواقع على مواقع التواصل الاجتماعي لا يختلف كثيرا حيث تنتشر الأخبار السيئة بسرعة انتشار النار في الهشيم وستكتسب صفحتك سمعة سيئة بسهولة وسرعة إذا افتضح أمرك وعلى المدى البعيد سيتخلى المتابعون عنك للبحث عن محتوى أكثر أصالة. للأسف لا يقوم فيسبوك أو تويتر أو غيرهم من مواقع التواصل بمعاقبة السرقة الالكترونية و السطو على المنشورات مما حدا بالعديد من صناع المحتوى للقيام بنشر المحتوى عن طريق صورة تتضمن اسم الكاتب الأصلي وياللعجب فإن من شدة كسل الصفحات فإنها تقوم باعادة نشر الصورة كما هي بدون تكليف أنفسهم عناء اعادة كتابة المحتوى الذي قاموا بسرقته للتو بل قد تقوم بعض الصفحات باضافة شعار (لوجو) الصفحة لصورة المحتوى المسروق فوق صورة الكاتب الأصلي!.
مشكلة أخرى في منشورات الصفحات الاجتماعية هي سرقة محتوى كاذب يروج لاشاعات تتهم أشخاصا معينين أو جهات ما باتهامات جنائية قد تودي بصاحبها لمواجهة عقوبات جنائية في حال توافر قوانين للنشر الالكتروني في البلد الذي تقوم بالنشر منه. حتى في حال عدم وجود شبهة قانونية في المحتوى المنشور رغم كذبه فإن معظم المنشورات الالكترونية العربية قد تكذب عليك في ترويج معلومات طبية أو دينية خاطئة. مسئوليتك كناشر الكتروني أو صاحب صفحة الكترونية قد تؤدي بك في النهاية لمجرد ناشر آخر لحلقة مفرغة من الأكاذيب و الأباطيل العلمية و الدينية وبذلك تكون قد أديت دورك في اعادة نشر الجهل بين متابعيك و قارئيك وستودي بمجتمعك مورد الجهل و الهلاك و الضعف و الهوان بدون دراية كافية منك ثم تعود فتلوم الغرب القاسي و المؤامرات الكونية على افساد الوطن العربي و ضربه في مقتل بينما تأتي الكثير من الرصاصات لجسد الوطن العربي من نيران صديقة.
الواقع العربي المزري على الانترنت يدعو للخجل نتيجة ضعف المحتوى الشديد وتكراره بين أكثر من موقع وصفحة وكذبه و ترويجه لأكاذيب و أباطيل في كثير من الأحيان. يكثر المحتوى المسروق فلا تكاد تعرف من الناشر الأصلي و قلما تجد موقعا أو مدونة تستطيع الاعتماد عليها في قراءة محتوى متفرد و جيد. على الرغم من قيام محركات البحث بالتضييق الشديد على سرقة المحتوى الالكتروني فإن العالم العربي يمتلئ يوميا بالوافدين الجدد الذين يتكاسلون عن صناعة محتوى جديد ويريدون فقط سرقة و اعادة نشر محتوى قديم ويمكنك سؤال أي مطور لمواقع الويب عن حال المدونات و مواقع الانترنت العربية وعن عدد الزبائن الذين يسألونه تصميم موقع و سرقة محتويات مواقع أخرى. لن يتغير الواقع العربي على الانترنت سريعا و لكننا نحاول التوعية بأضرار السرقة الالكتروني التي لن تؤدي بك في نهاية المطاف إلا لانفاق مالك و وقتك في صناعة محتوى مكرر لن ينجح حتى في الحصول على موافقة جوجل آد سينس لاضافة اعلانات قد تجلب لك بعض المال في أي وقت.
الحل الأمثل لصنع اسم قوي لك في عالم الانترنت ينبغي أن ينطوي على الكثير من الجهد المبذول و تحري الدقة و انفاق الوقت في كتابة محتوى جيد ولا تهم كثرة المحتوى طالما كان متفردا و هذه هي الطريقة الوحيدة للتأثير و جذب انتباه محركات البحث لاضافة عدد أكبر إلى خانة الزوار اليوميين لموقعك وبناء اسم أقوى بين متابعيك و قرائك.
نعم هناك الكثير من الحلول المتاحة على الانترنت وهناك الكثير من المواقع الغربية التي توفر اتفاقيات استخدام مرنة تتيج للمستخدمين نسخ المحتوى المنشور عليها مع اضافة رابط المنشور الأصلي مثل مواقع:
ezinearticles ، articlecube ، articlebase
المواقع السابقة لتتيح لك محتوى باللغة الانجليزية يمكنك نشره على موقعك عن طريق اضافة رابط المحتوى الأصلي وعلى الرغم من عدم جودة معظم المحتوى المنشور وكونه باللغة الانجليزية بالأساس فإنه قد يمثل بداية جيدة لمدونتك أو موقعك الالكتروني حتى قيامك بكتابة محتواك الخاص. موقع آخر في غاية الأهمية لاضافة صور و محتوى مرئي مفتوح المصدر هو موقع flickr حيث يمكنك البحث في الكثير من الصور مفتوحة المصدر عن طريق محرك البحث العملاق لدى الموقع وسيفيدك الموقع كثيرا في حال قيامك بالبحث عن صور جيدة لمحتواك الالكتروني.
السرقة الالكترونية لا تختلف كثيرا عن السرقة في الواقع بل إن السرقة الالكترونية الأدبية قد تؤذي مشاعر شخص موهوب تعب في انتاج محتوى متميز لينسب الفضل لشخص آخر أكثر شهرة و سطوة. قد تؤدي سرقتك الالكترونية لاحباط شخص آخر وقد تضطره لهجر الكتابة تماما وأنا عن نفسي فقد تعرضت شخصيا لسرقة العديد من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي وتكرر الأمر حتى كففت تماما عن الكتابة عليها ووجهت نظري نحو انشاء موقع Orrec الذي تقرأ عليه المقال الآن لعلي أستطيع تغيير شيء ما في الواقع الالكتروني العربي. هذا المقال قد أعتبره رثاء لشخصي المتواضع و لكل انسان تعرض للسرقة الأدبية و السطو على فكره و مجهوده الادبي و تحية لكل صناع المحتوى الأصيل الذين يبذلون الكثير من الجهد لاضافة شيء جديد للعالم العربي الحبيب.