في هذه الحلقة نستكمل سلسلة آداب الانترنت والتي بدأناها بالحلقة الأولى عن آداب المحادثات الفورية ونستكملها اليوم في الحديث عن آداب التعليقات و النقاش الالكتروني. كثير منا يستخدم الانترنت في استعراض المقاطع المصورة على موقع (يوتيوب) أو استعراض المنشورات المختلفة على مواقع مثل فيسبوك أو تويتر ويريد ترك تعليق ما على أي من المحتويات المنشورة.
في أي دولة من دول العالم وفي حال قيام أي شخص من بلد متحضر أو نصف متحضر بترك تعليق ما لمدح أو تزكية محتوى معين أو شخص معين فإن الأمر سيمر بسهولة مرور الكرام وحتى إن أراد توجيه انتقاد موضوعي للمحتوى المنشور فسيكون النقد موضوعيا أو علميا بعيدا عن شخصية أو جنسية أو ديانة مؤلف المحتوى إلا في الوطن العربي. تتميز التعليقات على المنشورات العربية أو التعليقات العربية عامة و النقاشات حول المحتويات المنشورة (ونأسف في استخدام اللفظ) بسفاهة شديدة وانفعالية جارفة مع الكثير من السباب وتوجيه سهام النقد الغير موضوعي لأي شيء غيرالمحتوى المنشور مثل شخصية الناشر وديانته و عقيدته و طائفته داخل ديانته وفكره في فهم النصوص و أي شيء آخر، المهم أن لا تنتقد المحتوى نفسه ولا تكلف نفسك عناء البحث و إثبات خطأ الناشر عن طريق مواجع علمية موثقة، المهم هو أنك لا تحب صاحب المحتوى المنشور بغض النظر عن المنشور أو المقطع المصور نفسه.
يا حبذا أيضا لو تطور الأمر بين القائم بالتعليق الأول إذا كان يمثل فريق ما و الطرف الآخر من فريق متعارض في الفكر معه فسينقلب الأمر حتما لمعركة شعبية مسموح بها في استخدام كافة الألفاظ و الأعراض و الأمهات و الأخوات و أي شيء من شأنه تسفيه و الحط من شأن الشخص المخالف ولا مانع أيضا من سب العقائد و الجنسيات المختلفة على أساس طائفي و عرقي صرف يمكن أن يؤدي بصاحبه للسجن مدة لا بأس بها إذا تمت ملاحقته قانونيا.
التعليقات المخالفة و المعارك العلنية بين المؤيدين و المخالفين أدت بموقع شهير مثل يوتيوب لإدخال خاصية حجب التعليق للناشر إذا أراد أن ينجو من مقصلة التعليقات كما قام الموقع بتغييرات عديدة في موضع روابط كتابة التعليقات و أيضا طريقة عرض التعليقات نفسها عن طريق ابعادها عن مركز رؤية المستخدم ولكن الأمر لم يسلم كذلك من المستخدمين العرب الذين واصلوا فقرات السباب ويمكنك الاطلاع على أي محتوى على يوتيوب لتعرف بنفسك حجم المأساة التي نعاني منها.
الجانب الآخر في رداءة التعليقات العربية بوجه عام هو اسخدامها من قبل العديد من الأشخاص الذين يقومون بعمل دعاية لمحتواهم الخاص أو الترويج لسلع معينة في خانة التعليقات مما أدى بالنهاية لتحولها لسوق شعبي مليء بالبضائع الرديئة و السباب و الأصوات العالية و الشجار وكثير من التهديد أيضا إذا كان طرفي الشجار من منطقة سكنية متقاربة حيث يتم ترويع الأشخاص بعضهم بعضا بتهديدات لايصال الأمر لأرض الواقع.
الحالة المزرية التي وصل إليها النقاش الالكتروني في الوطن العربي مؤشر خطير لأن انتشار التكنولوجيا لم يؤدي بأي حال من الأحوال لتحسين ثقافة الحوار لدى العرب ولا تحسين الثقافة من أي نوع وقد كان يعتقد من عدة سنوات أن الشخص الذي لا يجيد استخدام الحاسوب هو شخص يتمتع بالأمية الالكترونية، الآن صار معظم العرب يعرفون كيفية استخدام الحاسوب و انشاء بريد الكتروني وتسجيل الدخول على مواقع مثل فيسبوك و يوتيوب ثم قيامهم باستخدام تلك المواقع بنفس الجاهلية و الأمية وكأن التكنولوجيا مرت مرور الكرام على العرب بدون أن تضيف لهم شيئا ايجابيا واحدا بل زادت من الكشف على رداءة وتدني أساليب الحوار و الجهل على الغير.
كان علينا الوقوف على تلك النقاط المهمة قبل البدء في بعض النصائح المفيدة لتحسين المناخ الحواري الالكتروني بين العرب وفيما يلي بعض النصائح التي قد تفيدك في تجنب الوقوع في الفخ:
1- عدم التعليق أفضل:
حقيقة مؤسفة وهي أن تعليقك إن لم يجلب لك الكثير من السباب و الاضطهاد الالكتروني فإنه سيكون غالبا بلا فائدة اللهم إلا أن كنت تريد الإجابة عن تساؤل موجه من صاحب المنشور الأصلي وتريد إفادته. عليك الوعي بانتشار الجهل و الجهالة في النقاش الالكتروني العربي لذا حاول قدر الإمكان أن لا تتورط في مشاجرات الكترونية غثة لا تسمن ولا تغني من جوع. شاهد أو اقرأ المحتوى ويمكنك استخدام أزرار التفضيل (لايك) أو التصويت لأعلى (مثل يوتيوب) واحتفظ بمعلوماتك الثمينة للحفاظ على سلامك النفسي على الأقل.
2- اجعل ردك علميا مختصرا وموثقا:
لا تتورط في فخ انتقاد الأشخاص ووجه سهام نقدك للمحتوى المنشور نفسه. اجمع مراجعك وتأكد من صحة رأيك فقد تكون على الخطأ في النهاية ولتجنب الاحراج إذا كنت تناقش مسألة علمية أو دينية فعليك التثبت جيدا و استحضار معلوماتك والاستعانة بمحركات البحث للوصول لأفضل معلومة يمكنك بها انتقاد الفكرة في المنشور. لا تسهب في الحديث واستخدم أقل القليل من الكلام.
3- لسنا جميعا من طينة واحدة فلا تتدنى بمستواك:
قد لا يعجبك المحتوى المنشور ولكن في النهاية قد تكتشف وجود فجوة زمنية بينك وبين صاحب المنشور أو التعليق. هذه حقيقة فقد تكون في العقد الرابع من عمرك مثلا وتكتشف في النهاية أنك تورطت في حوار مع طفل صغير أو شاب لم يبلغ العشرين من عمره. الانترنت قد يخفي عنك هذه المعلومة وقد تخدعك الصور و العبارات البراقة القوية فتتخيل أنك تجادل عالما أو شخصا مثقفا وتكتشف في النهاية أن تتحدث مع طفل يجهل الكثير من أمور الدنيا ويعاني من مشاكل المراهقة مثل اثبات الذات و الاعتراض على قيم المجتمع بأسلوب فج. احفظ لنفسك مكانتك ولا تتورط في النقاش إلا إذا كان الشخص المقابل ناضجا وقادرا على ادارة حوار منطقي وعلمي مع احترام وجهة نظرك.
4- احترم الأشخاص وأساليب التفكير وليس وجهات النظر:
هذه مغالطة منطقية نقع جميعا فيها وهي ابداء احترام وجهات النظر وغض الطرف عن احترام الشخص الآخر نفسه (مع احترامي لوجهة نظرك - مع احترامي لكلامك) ثم تبدأ في وصلة السباب و القدح. الحقيقة أن اختلافك الأولي مع وجهة نظر الشخص الآخر يعني بالضرورة عدم احترامك لها ولست مطالبا بذلك فكيف تحترم وجهة نظر أنت لا تحترمها في الأساس، هذه مغالطة منطقية. أنت تحترم الشخص المقابل كما يحترمك، تحترم وجوده و عقيدته و حقه في التفكير بصوت عال وحقه في الكلام وهذا ما يبقي المحاورة جادة ومليئة بالاحترام. أما عن وجعة النظر فيمكنك نقدها أو الانصياع لها حسب مذهبك الخاص ومراجعك العلمية و الدينية.
5- لا تبدأ بالسباب ولا ترد على السباب أبدا أبدا:
أنت لا تريد أن يتم سبك وسب عقيدتك وبلدك وعائلتك فلذلك لا تبدأ شخصا آخر بالسباب فيضطر للرد عليك بالمثل وقد يتفوق عليك في مواهبه السبابية وقذارة اللسان وستكون حينها في ورطة كبيرة وقد يمتلك الشخص السفيه عدة أصدقاء من نفس نوعيته فيتعرضوا لك بالسباب أيضا وسيتحول الأمر لاحتفالية محرجة من بعض السفهاء وكل يدلي بدلوه. اقطع الحبل عليهم ولا تتورط في الدائرة المغلقة فتخسر أكثر مما تكسب.
6- قد تكون على خطأ:
إذا أردت النقاش فعلا فعليك أن تتعلم أول أسس النقاش وهي أنك قد تكون على خطأ وقد يكون رأي الطرف الآخر صوابا. من الذي جعلك على صواب إلى الأبد وجميع البشر الآخرين على خطأ. بالتأكيد هناك احتمالية لكونك على خطأ فعليك حينها التجمل بأدب الاعتراف بالخطأ والتسليم بخطأ وجهة نظرك بدون استكمال الدفاع عن قضيتك الخاسرة وضع نصب عينيك دوما أن الهدف من أي نقاش هو إثراء المعلومة وزيادة معرفتك الشخصية في أمور تهمك في الحياة، حاول دائما أن تكتسب معلومة جديدة من النقاش عوضا عن الجدال بلا أي مكسب حقيقي.
7- لا تعلق ب(تم):
هي عادة غريبة ولا يفعلها سوى العرب تقريبا وهي التعليق ب (تم) على أي محتوى يعجبهم. الهدف من هذا التعليق دعم المجموعة أو الصفحة التي تحبها أم ترقب تعليقات جديدة على نفس المنشور أم ماذا؟. الحقيقة هي أنك لا تفعل أيا من هذا فلن تفيد الصفحة التي تتابعها ولن تتابع المنشور كذلك لأن مواقع التواصل الاجتماعي أذكى من ذلك بكل تأكيد ولو أن ملايين الأشخاص علقوا ب(تم) على أي منشور فلن يدعم ذلك المنشور على الاطلاق لأن وسائل قياس أهمية المنشور لا تعتمد بالأساس على تعليقات (تم) ولكنها تعتمد على جودة ذلك المنشور و أصالته و الوقت الذي يمضيه المستخدم في قراءته وسرعة انتشاره ومدى انصياعه لسياسة الموقع العامة ووسائل كثيرة لا يمكننا سردها جميعا هنا. إذا أردت متابعة منشور ما فيمكنك اضافته لقائمة المتابعة في اعدادات المنشور واضافته لقائمة تنبيهاتك.
وفي النهاية كانت هذه النصائح البسيطة عرضا مختصرا لأسلوب إدارتك لحياتك الالكترونية حتى تنهي يومك بسلام وبدون غيبة ولا نميمة ولا مشاعر سلبية عندك أو عند الآخرين وسنعود لكم إن شاء الله في حلقة جديدة من آداب الانترنت.