الدنيا دار فناء وليست دار بقاء. واغتنمتها السيدة زينب بنت خزيمة بالتقرب
إلى الله عن طريق التقرب للمساكين والمحتاجين. عاشت للعطاء ولإسعاد الآخرين. عاشت
أمًا للمؤمنين وأمًا للمساكين. زينب بنت خزيمة هي زوجة الرسول (صلى الله عليه
وسلم) الرابعة. وسميت أم المساكين لرحمتها بالمساكين والمحتاجين، ورقتها عليهم.
من هي السيدة زينب بنت خزيمة؟
هي أم المؤمنين زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف
بن هلال بن عامر بن صعصعة وهي أرملة شهيد كريم من شهداء أحد وزوجة الرسول (صلى
الله عليه وسلم). استشهد زوجها في أحد فتزوجها الرسول (صلى الله عليه وسلم). لم
يكن قد مضى على على مجيء حفصة إلى بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) غير وقت قصير،
حين وفدت زوجة رابعة، ثم لم تلبث أن ماتت.
اختلاف أخبار السيدة زينب بنت خزيمة، التي وصل
إليها كتاب السيرة، بسبب موتها في الثلاثين من عمرها وقصر مدة إقامتها في بيت
الرسول (صلى الله عليه وسلم)
لم يصل إلينا من أخبارها سوى بضع روايات مختلفة. لا تخلو هذه الروايات من
تناقض واختلاف. ويختلف كتاب السيرة والتاريخ في اسم الزوج الذي استشهد ومات عنها.
واختلفوا كذلك في وقت استشهاد زوجها. واختلفوا مرة ثالثة فيمن تولى زواجها من
الرسول (صلى الله عليه وسلم). واختلفوا مرة رابعة في المدة التي أقامتها في بيت
الرسول (صلى الله عليه وسلم). وعلى الرغم من اختلاف كتاب السيرة والتاريخ في أمر
زينب بنت خزيمة، فقد اتفقوا جميعًا على شيء واحد لم يختلف فيه اثنان: ذلك هو وصفها
بالكرم والطيبة والعطف على الفقراء. ولا يكاد يُعرض اسمها في أي كتاب إلا مقرونًا
بلقبها الكريم: أم المساكين.
السيدة زينب بنت خزيمة مرت في الدنيا كنسمة عابرة
لم تكن ذات جمال، وإنما عُرفت بطيبتها وإحسانها حتى لُقبت بأم المساكين.
ويرجح أنها ماتت في الثلاثين من عمرها. نالت شرف الزواج بالرسول (صلى الله عليه
وسلم) وشرف أمومة المؤمنين.
انشغلت بأمر المساكين. كانت تقنع بما تنال من تقدير الرسول (صلى الله عليه
وسلم). ليس من صفاتها الطمع أو الغيرة. مرت رضي الله عنها كطيف عابر في بيت الرسول
(صلى الله عليه وسلم) وكنسمة طيبة في الدنيا، ثم رقدت في سلام كما عاشت في سلام.
خُلدت في التاريخ أمًا للمؤمنين وأمًا للمساكين. ودفنها الرسول (صلى الله عليه
وسلم) في البقيع. وكانت ثاني زوجة تموت في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعد
السيدة خديجة (رضي الله عنها).
الحث على الكرم ، وعدم البخل، والإحسان إلى
الفقراء والطيبة من صفات المؤمنين. وأمرنا الله سبحانه وتعالى بالزكاة والصدقة في
لبقرآن الكريم.
على المرء أن يكون كريمًا مع الفقراء وأن يحسن إليهم ويتصدق ويدفع ما يتوجب
عليه من الزكاة؛ لينال رضا الله وليفوز بالدارين الدنيا والآخرة. والآيات التي
تحثنا على ذلك كثيرة ومنها قول الله عز وجل في سورة البقرة: "يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ
فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ
السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ" صدق
الله العظيم، والآيات في سورة المنافقين: "يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون (9) وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ
فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ
خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)" صدق الله العظيم، والآيات من سورة الليل: "وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ
وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ
يَرْضَى (21) صدق الله العظيم.
كن
كريمًا، ولا يكن كرمك نوعًا من الظهور والشهرة أو نوعًا من التعالي. اعرف مع من
تكن كريمًا حتى تنال الأجر.
الفقراء والمساكين موجودون في
كل مكان. ويحتاجون لمن يشعر بهم ويساعدهم. عندما تزيل الهم عن قلب محتاج سيزيل
الله عز وجل همك. عندما تنفق من أجل توفير شيء من متطلبات الحياة لمسكين سيكافئنا
الله وننال الأجر والثواب. إذا انشغلنا بالفقراء والمساكين واليتامى، بدلاً من
الانشغال بأشياء كثيرة تافهة، نكون حقًا عقلاء ورحماء. ليس العقل والحكمة ادعاء،
ولكنهما أفعال. ارتقوا بأعمالكم وليس بأقوالكم. دعوا شواغل الدنيا وانشغلوا قليلًا
بالآخرة. كونوا عقلاء واقتدوا بالمؤمنين.
الأم والأب ينبوع الحب
والحنان والأمان. يحتاجا إلي حبنا وحنانا بعد كبرهما، وهم أولى بمشاعرنا وبكل شيء.
فلنكرمهم ونحترمهم حتى يكرمنا الله وننال الاحترام من الجميع.
على المرء ألا يدع كل هؤلاء
ويهتم بمن لا يجب عليه الاهتمام بهم. يوجد في مجتمعنا أمثالاً غريبة من البشر.
هناك من لا يسأل على والديه ويوزع الابتسامات خارج بيته ويبخل على من ربياه. وهناك
من يهين زوجته ويذهب إلى العمل منشرح الصدر وممازحًا فتيات لا يحق له الحديث معهم؛
لأن الله عز وجل نهى عن الصداقة بين الرجل والمرأة في سورة الأحزاب. أهلك أولى
بمشاعرك وبعطائك وبوقتك. كل فرد له أسرة أو جزء من أسرة. ويحيا الإنسان سويًا في
إطار هذه الأسرة. فلنكن كرماء مع والدينا وأقربائنا، ونمسح دموعهم قبل أن نمسح
دموع آخرين. حياة الكرم والعطاء جميلة في محلها. وعندما نتصدق ونخرج الزكاة ونكرم
أهلنا ننال رضا الله
ورضا أنفسنا عن أنفسنا، وتزداد حياتنا بركة. وختامًا، أذكركم بحديث الرسول (صلى
الله عليه وسلم) عن أبي هُريرة: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،
وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ
للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّه " رواه مسلم.