إن الإنسان العاقل المدرك لواقعه والمتبصر بأموره وحاجياته يعلم يقيناً أن الاعتماد على النفس في تدبير وإدارة شؤون حياته هو رأس ماله الحقيقي وأن سعيه إلى تضييق دائرة الاعتماد على الغير إلى أدنى مستوياتها هو وسيلته الفعالة في تحقيق النجاح والتميز.
والمقولة العربية الشهيرة تقول ما حك جلدك مثل ظفرك، فينبغي على الإنسان الاعتماد على نفسه قدر المستطاع وإلى أبعد الحدود في إدارة شؤون حياته وترتيبها بداءً بالدخل المادي والعمل المجزئ وامتهان الحرف والمهارات التي تغنيه عن سؤال الغير أو الحاجة إلى طرق أبوابهم يوما ما ليسألهم شيئا من المعونة وحتى لا يتجرع مرارة الذلة بسؤال غيره من البشر ولكي يصبح سيدا على نفسه متحكما ومدبرا لأموره بعيدا عن ذل وسؤال الغير.
أولا : مهارة العمل
لكي يحصل الإنسان على فرصة عمل مجزية ووظيفة مربحة أو يبدأ مشروع ناجح فلا بد من توافر بعض العوامل الرئيسية التي تساعده في تحقيق ذلك ولعل من أهمها ما يلي:
- أن يتعلم الإنسان بعض الحرف والمهارات اليدوية المهمة والأساسية مهما كانت بسيطة أو بدائية وان لا يخجل أو يتسبب العامل الاجتماعي في ثنيه عن إتقانها، فبعض المجتمعات للأسف تحتقر بعض المهن ويفضل بعض الناس بسبب ذلك الجلوس في البيوت عاطلين عن العمل عاله على غيرهم بدلا من أي يعملوا ويكدوا ويجتهدوا في إحدى تلك المهن الشريفة، وليس من العيب أن يبدأ الإنسان من الصفر ثم يرتقي في سلمه المهني درجة بعد أخرى حتى يصل إلى القمة.
- إذا تحرر الإنسان من العامل الاجتماعي السلبي والسائد في منطقتها العربية فبإمكانه جني المال بسهولة ويسر دون خجل أو تردد ويتضح ذلك جليا عندما يهاجر الشخص من بلاده وترك أهله ومجتمعه بحثا عن عمل في ديار أخرى فإنه سرعان ما يوفق بالحصول عليه والسبب في ذلك يعود إلى أنه ترك خلف ظهره ذالكم الإرث الاجتماعي السلبي السائد عن بعض المهن والحرف والتي تسبب في تقييد كثير من الشباب وبددت طاقاتهم وإبداعاتهم، فبمجرد وصول إلى الإنسان إلى بيئة مختلفة لا يعرف فيها أحد إلا وينخرط سريعا في سوق العمل سواء بالأجر اليومي أو المرتب وبدءا بأبسط الأمور على الإطلاق كأن يعمل في مجال الشحن والتفريغ لبعض الوقت ثم يتحسن وضعه المادي فينتقل إلى مجال البيع والشراء بأن يشتري بعض الأغراض ثم يقوم بإعادة إنتاجها وبيعها، فبائعوا الآيسكريم أو اللوز والزعتر أو الحلويات في الشارع على دراجاتهم ثلاثية العجلات هم خير مثال على ذلكم النجاح المبدئي في الحياة العملية.
- عندما يحصل الإنسان على عمل بسيط سواء بالأجر اليومي أو المرتب فعليه أن لا يحصر جل اهتمامه في مقدار المال الذي سيتقاضاه آخر اليوم أو الشهر بل يجب عليه أن يسعى جاهدا لفهم وإتقان المهنة التي يعمل فيها وأن يبدع ويتقن ويحاول كسب ود واحترام رب العمل فإذا ما حدث وترك تلك المهنة لأي سبب فإنه من السهولة أن يعثر على عمل آخر في نفس المجال بحكم بتحكم اتقانه له وخبرته التراكمية فيه.
- في حال حصولك على عمل لدوام محدد بساعات معينه وينتهي فلا تبدد بقية اليوم في الجلوس والنوم والكسل أو التسكع في الشوارع والمقاهي، وهذا حال الكثير من الشباب للأسف، فبعضهم يعمل إلى وقت الظهر بمرتب شهري ثم يقضي باقي يومه في خمول وكسل أو لهو ولعب راض بوظيفته ومطمئن إلى وضعه وهذا خطأ كبير فالشاب يجب أن يكون طموح متعدد المواهب وإن لم تشغل وقت فراغك بعمل فاشغله بطلب العلم وأخذ الدورات واكتساب المهارات التي تساهم بشكل كبير في تعزيز فرص نجاحك في مجال الأعمال.
ثانيا : مهارة الصيانة والإصلاح
يعتمد الكثير منا على الآخرين في أمور الصيانة البسيطة لأتفه الأمور في منازلنا فبمجرد انكسار أو انسداد حنفية المياه نهرول سريعا إلى الاتصال بعامل الصيانة خصوصا في المجتمعات العربية المرفهة والمترهلة والتي لا يحسن الأفراد فيها عمل أي شيء على الإطلاق، وعلى العكس من ذلك تماما نجد الناس في المجتمعات المتقدمة والغنية في العالم الآخر يقومون بعمل كل شيء بأنفسهم فتجد لديهم غرفة خاصة أو صندوق في البيت يحتوي على عدة الصيانة اللازمة لإصلاح أي خلل أو عطل، ومن هنا فإنه يجب على الشخص الاهتمام بهذه الأمور ولا نطلب منك هنا إتقانها والإلمام بكل تفاصيلها بل يجب عليك معرفة ما عرف منها بالضرورة وفقط فإصلاح الحنفية المكسورة أو استبدالها لا يتطلب إحضار عامل صيانة بالأجر بل كل ما يحتاجه هو بعض المفاتيح المخصصة بالفك والتركيب والتي يجب أن تكون موجودة في منزلك على الدوام. ولحسن الحظ فقد أصبح اليوم كل شيء متاح على الانترنت فبمجرد أن تواجهك مشكلة أو عطل ماء ما عليك إلا الدخول لأحد المواقع أو محركات البحث وستجد الحل بالصوت والصورة وبشكل مجاني.
ثالثا : مهارة التعليم واكتساب الخبرات
يجب على الإنسان أن ينوع من مهاراته وخبراته فتعلم قيادة السيارة يعتبر مهارة وكذلك ركوب الدراجة والسباحة فقد تحتاج يوما إلى إحدى تلك المهارات عندما يواجهك وضع معين في الحياة يتطلب منك التعامل معه بشكل سريع، فكم يتردد على مسامعنا دائما عبارة : لا أعرف القيادة ، لا أعرف السباحة وغيرها من المهارات التي لا يلقي لها الكثير منا أدنى بال أو اهتمام فنصبح فيها عالة على غيرها أو ننتظر قدوم الشخص الذي سيقوم بها نيابة عنا، وهذا الوضع السلبي والاتكال المفرط على الغير يجعل من الإنسان أسير لغيره من البشر يتحكمون في أموره ومشاكله سلبا أو إيجابا.
من كل ما سبق يتضح الأهمية الكبيرة لأن يكون الإنسان معتمدا على نفسه بشكل دائم في إدارة شؤون حياته اليومية وما يوجهها من مشكلات ولكن ليس معنى هذا أن نتركك طلب المساعدة من الآخرين، فمن الطبيعي أنه لا غنى لنا عن طلب المساعدة أو المشورة من المختصين عندما نواجه بعض الأمور الصعبة والمعقدة والتخصصية التي تتطلب خبير أو مختص، وليس معنى هذا أن يكون الإنسان ملم بكل شيء فهذا الأمر محال فنحن لا نبحث هنا عن الكمال أو المثالية بل القصد من كل هذا هو أن يعمل الإنسان ما في وسعه لتضييق دائرة اعتماده على الآخرين على الأقل في المجالات البسيطة والثانوية فيوفر بذلك المال والوقت والجهد، فعندما تطلب من عامل الصيانة أن يحضر لإصلاح حنفيتك المكسورة فإنه في العادة يتأخر عن موعده ويطلب المال الإضافي مقابل حضوره إلى المنزل وفي الأخير ربما لا يقوم بإصلاحها بالشكل المطلوب، ومن هنا كان لزاما على كل عاقل أن يفطن لهذه الأمور البسيطة وأن يسعى جاهدا للإلمام بأساسياتها خصوصا المتكررة منها بشكل يومي مثل أعمال السباكة والكهرباء البسيطة أو حتى إصلاح بعض أعطال الأجهزة المنزلة أو السيارة فيوفر الإنسان بذلك المال والجهد ويصبح سيد نفسه.