الحسد وشر العين من أكثر الأمور التى يخاف الناس منها في المنطقة العربية ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة وأن الأديان قد حذرت منها، وهناك الكثير من الأحاديث النبوية لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، يذكر فيها الحسد، ومنها قوله: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود"، كما أن علاجها فى الإسلام بالإستعاذة بالله من شر الحاسد إذا حسد ذكر فى القرآن الكريم، بينما فى المسيحية بالدعاء فى صلاة الشكر"كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان أنزعه عنا".
وبالرغم من أن الأديان قد وضعت العلاج للوقاية من الحسد، إلا أن كثير من الناس يصابه "هوس " الحسد ويحمل كل خطأ يقع فيه وسوء تصرف له بأنه محسود دون أن ينظر إلى الأسباب التى أدت إلى عدم نجاح الأمر بشكل موضوعي وهو ما يجعل الإنسان يقع تحت طائلة سوء الظن الذي حذرت منه الأديان وأعتبره بمثابة الأثم لأنه يجلب الكره والبغض بين الناس.
وسنلقي الضوء فى السطور التالية على بعض الحالات التى تعرضت للحسد ونظرة كل حالة للأسباب التى تجعلهم يعتقدون بأن ما حدث حسد وليس سوء تصرف، إلى جانب التطرق إلى ماهية الحسد والغبطة وعلاج الحسد كما جاء فى الأديان السماوية، بالإضافة إلى كيفية التفريق بين الضرر الناتج من الحسد والضرر الناتج من سوء التصرف وعدم موازنة الأمور، مع عرض نبذه عن نظرة الثقافات والحضارات القديمة للحسد.
وبسؤال بعض السيدات عن مواقف تعرضوا لها وشكوا أنهم حُسدوا فيها، قالت ايمان صلاح، أنها شاهدت الحسد بعينها فى مرتين مرة أصابها ومرة أصاب صديقتها المقربة، مستطرده: مرة واحدة قالت لي الفستان دا تحفة ومجرد أني خرجت من مكتبها حتى شبك الفستان فى مسمار وأنشق إلى نصفين بالطول، وأما ما يخص صديقتي فقد قالت لها إمرأة أنا ضوافرها جميلة وعندما قامت لتفتح الباب قضمت ضوافرها كلها.
ومن جهتها أعتبرت غادة سعيد، أن حياتها كلها مليئة بالحسد وأنها لا تستطيع أن تتهنى بأي شئ جديد بسبب الحسد، قائلة: "زارنا بعض أقاربنا بعد رجوع والدتي من العمرة وقالوا لي " اللي يشوفك أمبارح مش أنتي النهارده" وبعدها لم أتمالك نفسي ومرضت لدرجة الموت، كما أن أخر كان يجلس أمام الكمبيوتر وعندما قالوا له " ليل نهار قاعد عليه" تعطل. وأضافت: قمنا بشراء ثلاجة جديدة وعندما رأتها إحدى قريباتنا قالت معكم ثلاجتين فأحترق موتور الثلاجة الجديدة على الفور، وأيضًا حسدني الطبيبة التى قامت بتوليدي والممرضات فعندما رأوا طفلي قالوا "مخلفه راجل قمر" ومن يومها لابد أن نزور الطبيب بشكل دائكم لتدهور صحته.
وقالت داليا خيري: كنت أجلس بشعري أمام شخص وقال لي شعرك ثقيل كيف تمشطينه ومن بعدها أصبح شعري "شبه ديل المعزة خفيف خالص".
وقال محمد إسماعيل: كان معي صديق بالعمل يحذر الناس منه ولم أكن أصدق ما يحكونه عليه، وعند عودتي من أجازة طويلة هادئة قال لي "أنت شكلك رايق ووشك حلو" وما هي إلا دقائق وأرتفعت درجة حرارة جسمي وأحمر وجهي وظهرت حبوب كثيرة به.
ويقول "أبو الزهراء": حسدني شخص فسقطت من الدور الرابع وتكسر جسدي بالكامل وأضطررت إلى المكوث فى المستشفى فترة طويلة ما يقرب من سنة، ثم زارني ذلك الشخص وقال لي " أنت عايش أزاي أنا عطيتك نظرة موت".
بينما رأت إسراء جمال أن هناك الكثير من الأمور التى تعرضت فيها للضرر أو فشل أشياء كانت تقوم بها، وربطها كل من حولها بحسد شخص ما لها يكون متواجد دائما مصادفة فى كل هذه الأمور، إلا أنها لا تعتبر أن هذا حسد، وأن مصادفة تكرار عدم تحقيق الشئ لا تعنى الحكم على الشخص بأنه حاسد لأن هذا يعتبر إهانه كبيرة له وظلم كبير.
ومن خلال ما قابلناه من حالات تحكي عن تعرضها للحسد، فإنه يظهر بشكل كبير أن أغلب الفتيات يصدقن أن كل ما يحدث حولهن حسد حتى وإن تم شق زيها أو تعطلت ثلاجتها وربط الأمور البسيطة التى تحدث دائما بتواجد شخص ما وإعتباره أنه حاسد وفى الغالي يكون هذا الشخص وفقًا لروايتهن من الأقارب، ويختلف الأمر قليلا بين الرجال فبالرغم من وجود عينة منهم تصدق أن كل أمر سئ يحدث له وراءه حسد إلا أنها قليلة جدًا مقارنة بمن يعتبر أن الأمر يعد سوء تصرف أحيانًا أو يكون بالفعل قد تعرض للحسد وفقًا للتعريفات التى ذكرها علماء الدين وسنسردها فى السطور التالية.
الحسد هو أن يتمنى الحاسد زوال نعمة المحسود، وأختلفت نظرة الثقافات والأديان لمعنى الحسد، فالبعض يرى أنها مجرد شعور بالكره وتمنى زوال نعمة الأخرين والعمل على إحداث ذلك بكل الطرق الممكنه، والبعض يعتقد بأن الحسد قد يحدث بضرب العين أي أن الحاسد عند النظر على ما في يد المحسود من نعمة يزيلها، وفى بعض الثقافات تعرف عين الحسد بـ"عين الشيطان" أو "عين الشر". وهناك فرق كبير فى اللغة العربية بين تعريف الحسد والغبطة، فالحسد هو تمنى زوال نعمة الغير، بينما الغبطة أن يتمنى الشخص أن يكون لديه مثل ما دى غيره من نعم دون زوالها عند غيره، وهو امر غير مكروه لأنه لا ينم عن حقد وكراهية وغل فى نفس الانسان وانما حب للوصول والصعود والتحلى بالنعم.
آمنت الثقافات المختلفة بالحسد خاصة فى منطقة الشرق الأوسط وشرق وغرب أفريقيا، وامريكا الوسطى، وجنوب أسيا، وأسيا الوسطى، وأوروبا خاصة منطقة البحر الأبيض المتوسط، منذ القدم وفى الحضارات المختلفة، حيث أنه فى فترة الحكم اليوناني والروماني كان هناك اعتقاد سائد بأن عين الحاسد تصدر أشعة مميتة بها سموم تصيب المحسود. وفي كتاب "الإغريق والحسد" (1978) أشار المؤلف بيتر والكوت إلى أكثر من مائة من أعمال أشهر المؤلفين والفلاسفة الإغرقيين واليونانين التى تتحدث عن العين الحسودة ومنهم على سبيل المثال أفلاطون وهسيودس، وكاليماخوس، وغيرهم.
وكان يتم فى هذه الثقافات والحضارات عمل القلائد والتعاويذ للحماية من عين الشر أو عين الحسد، وبعض هذه الرموز مازال يتم إستخدامه حتى الآن فى بعض الثقافات مثل قلادة العين الزرقاء التى تستخدم فى منطقة البحر الأبيض المتوسط خاصة فى اليونان وتركيا.
تؤمن الأديان السماوية بالحسد وتحذر من العواقب السيئة التى يتعرض لها الحساد وليس المحسود لما يكنه من كره وبغض لغيره وهي أمور سيئة ومكروهه. فالحسد فى الإسلام كما ذكرته دار الإفتاء المصرية فى فتوى لها أنه من الأمراض العظيمة للقلوب التى لا تداوى إلا بالعلم والعمل، كأن يعرف الحاسد أن الضرر لن يقع على المحسود فى الدنيا والدين وإنما ينتفع بهما، بينما الضرر يقع على الحاسد نفسه فهو بمثابة العدو لنفسه والصديق لعدوه، كما أن الحسد بمثابة خبائث من القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب.
وأضافت دار الإفتاء المصرية أن الحاسد يتألم بحسده ف الدنيا ويتعذب به ويعيش فى كمد وغم وهو يرى كل النعم التى يفيض بها الله على المحسود، فيبقى مغمومًا محرومًا ضيق الصدر.
الإسلام يحرم من لبس القلائد والرموز المختلفة التى كانت تستخدم قديمًا للوقاية من الحسد، ويوضح العلاج فى قراءة سور الفلق والناس والإخلاص، إلى جانب أنه بإمكان الشخص أن يمنع نفسه من الحسد بأن يقول "ما شاء الله" تبارك الله".
المسيحية تؤمن بوجود الحسد كشعور، فإنها تؤمن بأن قايين حسد أخاه هابيل، ويوسف الصديق حسده أخوته. ويردد المسيحيون فى صلاة الشكر دائما "كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان أنزعه عنا". ولكن لا تؤمن الديانة المسيحية بما يسمى ضربة العين وهي ان يكون بعض الأشخاص يتصفون بالحسد وبمجرد النظر إلى الأشياء بأعينهم فإنها تفسدها، وتؤمن المسيحية أيضًا بأن الحسد لا يتعب المحسود وإنما يضر الحاسد نفسه، فالحاسد يعيش في تعاسة وتعب بسبب حسده وشقاوته الداخلية.
تؤمن اليهودية بالحسد أيضًا، ولقد ذكرت العين الحسودة عدة مرات في كتاب "أخلاقيات آبائنا"، في الفصل الثاني، قام خمس تلامذة للحاخام الأكبر "إبن زكاي"، بإسداء نصيحة بشأن كيفية إتباع الطريق الصحيح في الحياة وتجنب الطريق الخاطئ. وقد قال حاخام "إليعازر" بأن العين الحاسدة أسوأ من اصدقاء السوء، وجار السوء، وحتى أشد سوءاً من قلبٍ فاسد. وتؤمن اليهودية بأن أي شخص يملك عين حاسدة لن يشعر بعدم السعادة فحسب عند نجاح الآخرين، بل وسيشعر بالضيق والحزن عند نجاجهم في أي من الأمور، وسوف يبتهج ويشعر بالفرح عندما يعاني الآخرون. فإن أي شخص من هذا النوع، يمثل خطرا كبيرا على نقاء أخلاقنا. وبعض اليهود عندما يقوم الأشخاص بالنظر طويلا إلى أطفالهم ومدحهم يرددون"كين عين حارة" أي "بدون حسد". والوصية العاشرة تقول " لا تطمع بأي شيء هو ملك لقريبك"، وهي بمثابة نصيحة أو قانون ينص على منع حسد الآخرين وإصابتهم بالعين.
وفى خاتمة المقال نشير إلى أنه برؤية الروايات التى ذكرها من يعتقدون أنهم تعرضوا للحسد، إلى جانب مقارنتها مع ذكرته الأديان وما يتم توارثه من ثقافات وعادات مختلفة للمجتمعات، فإن الحسد وجوده يكمن فى وجود الشر وتمنى النقم على الأخرين وهو موجود بوجود الشر، وزواله يزول بزوال الشر من الأرض. ولكن أغلب الناس دائما يتوهمون بأنهم يقعون تحت طائلة الشر دون حساب درجة جهدهم والطريقة التى يقومون بها بفعل الأشياء، فيظنون أن كل امر لا يحالفهم الحط به نتيجة العين والحسد أونتيجة مشاعر الكراهية الموجودة فى نفوس الأخرين بالرغم أن العددي منهم قد يكون قام بفعل هذه الأمور بطريقة غير إحترافية أو بطريقة خاطئة.