من المعروف انه ما أن تتسلل إلى مسامعنا كلمة (رياضة) إلا وترتسم في أذهاننا صورة نمطية لملاعب رياضية خضراء وملابس خاصة وميادين وألعاب جسدية متعددة ومسابقات ومنافسات فالرياضة في أبسط تعاريفها هي عبارة عن نشاط بدني تنافسي الهدف منه تقوية الجسد وإكسابه اللياقة والصحة اللازمتين كما يدخل في معنى الرياضة المنافسة في الألعاب البدنية المختلفة التي تم اختراعها وتطويرها عبر الحقب الزمنية المتعددة وتم سن ووضع القوانين اللازمة لتنظيمها والإشراف عليها ورصد الجوائز والمكافئات للمتميزين والفائزين في منافساتها.
هذه الصورة التقليدية لمفهوم الرياضة سادت لعقود من الزمن في العالم ومنطقتها العربية ولا زالت مع حدوث بعض الاختلاف أو (الاختلال) إن صح التعبير في مفهومها الأساسي خصوصا في منطقتنا العربية وتحولت الرياضة من نشاط بدني صرف إلى نشاط ثقافي حيث أصبح أغلب الشباب في عالمنا العربي مهتمون بالرياضة الثقافية والمنحصرة أساسا في متابعة المنافسات والمباريات عبر الشاشات أو الشبكات مع التركيز على أدق التفاصيل فيها فتجد الشاب ملم بالبطولة الفلانية ومتابع مجتهد لأخبارها وتطوراتها يحفظ عن ظهر قلب أسماء اللاعبين والمدرب وتشكيلة الفريق ومراحل الدوري وما هي الفرق الرياضية التي ستلعب في اليوم الفلاني وما هو رصيدها من النقاط وما ترتيبها في الدوري بل وصل الأمر إلى معرفة من سيلعب المباراة القادمة ومن هو محروم من اللاعبين بسبب الكروت الحمراء والصفراء.
ولو أن الأمر وقف عند هذا الحد لهانت المسألة ولكن الملاحظ أن هذا الاهتمام الثقافي بالرياضة قد تسلل واحتل مساحة واسعة في عقول وتفكير الشباب حيث أصبح يسيطر على معظم حديثهم اليومي سواء في العمل أو المدرسة أو حتى في البيت.
والأغرب من ذلك أن ترى الكثير من الشباب يتنافسون في تحليل المجريات الرياضية ووضع التنبؤات المسبقة للنتائج بناء على الكم الهائل من المعلومات والبيانات والمعطيات والأرقام المرسومة في عقولهم والكل يفاخر بقدرته ومهارته في تحليل تلك البيانات.
ونتيجة لهذا التطور الغريب في مفهوم (الرياضة) فلا تستغرب أن تسمع من يطلق لقب فلان (رياضي) على شخص ينام معظم النهار ويقضي ما تبقى منه خاملا كسولا أمام شاشة التلفاز وجسده ضامر ومنهك وليس بصحة جيدة، ولكنه حاز على لقب رياضي لأنه على إلمام تام بمجريات البطولة أو المنافسة الرياضية ويعلم أدق تفاصيلها ومتابع نشط لمجرياتها.
ومما يلاحظ في منطقتنا العربية أيضا اقتصار مفهوم (الرياضة) على لعبة كرة القدم حصرا، فلا تكاد تجد في عالمنا العربي ومدارسنا وأنديتنا غير تلك اللعبة المسيطرة والمحتكرة لهذا المجال الواسع، فلا مكان للسباحة ولا مسابقات الماراثون أو كرة السلة والتنس وغيرها حاضرة في مجتمعنا على الإطلاق إلا ما ندر.
نلاحظ في العالم المتحضر أن أغلب المواطنون في تلك الدول يتنقلون باستخدام الدراجة الهوائية رغم وجود السيارات والمواصلات العامة إلا أنهم يفضلون الدراجة لما لها من أثر إيجابي على صحة الجسد والنفس معا، كما تلاحظ الكثير منهم يفضل الصعود باستخدام الدرج عوضا عن المصعد الكهربائي لذات السبب، كما يمارسون رياضة المشي والجري في الساحات والحدائق العامة وعلى الشاطئ بشكل فردي ويومي تقريبا لأنهم يدركون مدى وأهمية ذلكم النشاط في الحفاظ على صحة الجسد وقوته وسلامته.
ولكن بنظرة سريعة لواقعنا العربي تجد أن ثقافة (التعب) و(المشقة) حاضرة لدينا وبقوة، فشوارعنا تكاد تخلوا من الدراجات الهوائية ويتكدس الناس أمام المصعد الكهربائي في انتظار نزولة ويتجمعون أمام محطة أوتوبيس النقل العام رغم أن أماكن أعمالهم لا تتعدى مسافة بضعة كيلومترات، فإذا ما قرر شخص المشي أو استخدام الدراجة الهوائية مثلا فسرعان ما يرمه الناس بنظراتهم الغريبة ويتساءلون كيف لهذا المغفل أن يكلف نفسه المشقة والتعب في حين أن المواصلات متوفرة لماذا لا ينتظر مع جموع المنتظرين ليركب ويريح نفسه وبدنه.
بهذه العقلية انتشر في عالمنا العربي البدانة والكسل والخمول فلا تكاد ترى شخص عربي يمارس رياضة الجري في أحد الشوارع ومن يفعل ذلك سرعان ما يتهم بالجنون ويرمقه الناس بنظرات الاستغراب والاحتقار لما يفعله.
ونشير هنا إلى تمسك بعض شرائح مجتمعنا العربي بفكرة وعقيدة أن الشخص الكبير في السن من العيب عليه أن يمارس الرياضة كالجري مثلا فهذا يعد انتقاص من شخصيته وهيبته في المجتمع فإذا ما تم رؤيته في الشارع يرتدي البدلة الرياضية ويمارس رياضة العدو الخفيف فلا ريب أنه مجنون قد فقد عقله.
وبناء على ما تقدم يجب على الشخص أن يحرر نفسه من الثقافة السلبية السائدة في مجتمعه وليعلم بأن لجسده عليه حق فممارسة الرياضة أمر مطلوب عقلا وشرعا شريطة أن يبقى ذلكم الاهتمام بالرياضة مقرونا بالجسد لا بالعقل والثقافة.
أولا: ابسط أنواع الرياضة وأكثرها تقبلا في مجتمعنا العربي هي رياضة المشي فهي لا تجذب الانظار ولا يستطيع أحد أن ينكر عليك فعل ذلك (هذا إذا كنت ممن يهتمون بآراء الناس أصلا) وعليك اختيار الأجواء المناسبة لممارستها فلا تمشي في الاجواء الحارة أو الباردة جدا وإذا كان مقر عملك قريب نوعا ماء من المنزل فلا بأس من المشي إليه في الصباح الباكر بدلا من التنقل باستخدام السيارة أو مواصلات النقل العام فهذا مما يساعد على تنشيط الدورة الدموية وإكساب الجسد والعقل اللياقة اللازمة استعدادا ليوم عمل جديد.
وبهذه المناسبة لا يفوتني أن أذكر أنني عندما كنت طالب جامعي كانت الجامعة تبعد عن منزلي مسافة ما يقارب 3 كيلومترات وقد أصحى مبكرا وأذهب إليها مشيا على الاقدام وعند وصولي أشعر بنشاط غريب وارتياح عميق خصوصا أنني أرى جميع زملائي الآخرون ما بين متثآءب شاحب الوجه وشبه نائم لأن جميعهم أتوا إلى الجامعة مستخدمين مواصلاتهم الخاصة أو النقل العام وترسخ لدي قناعة تامة بأن سبب ما كنت أشعر به من نشاط وحيوية هي بفعل المشي صباحا وبخطى متوسطة.
ثانيا: حاول جاهدا الابتعاد عن الرياضة العنيفة كحمل الأثقال والملاكمة فهي مؤذية للجسد أكثر منها نافعة له وقد تسبب لك وللآخرين الأذى وتستطيع تنمية عضلاتك باستخدام أجهزة بسيطة لا تؤذي العضلات ولا تسبب لك تشوهات أو انزلاقات في أنحاء من جسدك.
ثالثا: لا تمارس الرياضة بعد الأكل مباشرة أو عند الشعور بالنعاس واعلم أن افضل الأوقات لممارسة الرياضة هو قبل غروب الشمس أو في الصباح الباكر بعد أن يستعيد الجسد نشاطة وبعد شرب الماء وليس مباشرة عند النهوض من الفراش فالجسد في هذه الحالة يكون ما زال في وضع الإعداد ولم يصل بعد إلى مرحلة الإفاقة الكاملة.
أخيرا لا تكترث كثيرا لثقافة المجتمع الذي تعيش فيه وعاداته وتقاليده أو ما سيقوله الناس عنك أو يعتقدونه فيك بخصوص ممارستك للرياضة، فالرياضة مهمة جدا للحفاظ على نشاط البدن وحيويته ويساهم كثيرا في تأخير الشيخوخة كما أن الرياضة تكافح الكثير من الأمراض الناشئة أساسا عن قل الحركة وتراكم الدهون والسموم في الجسد كالسكر والضغط إضافة إلى فوائدها في تعديل المزاج والقضاء على الاكتئاب والشعور بالضيق.