السيدة حفصة هي زوجة الرسول (صلى الله عليه وسلم) المعتدة بذاتها والمعتزة
بشخصيتها. كانت لا تتكلف ما ليس في طبعها. كانت تقية عابدة صوامة قوامة. خُلدت في
التاريخ؛ فهي الأرملة الشابة وهي أم المؤمنين الحافظة لأول نسخة من المصحف الشريف.
ترمل السيدة حفصة في الثامنة عشرة من عمرها:
كانت السيدة حفصة متزوجة من الصحابي الجليل (خنيس بن قيس بن عدي السهمي
القرشي). وكان من أصحاب الهجرتين، هاجر إلى الحبشة مع المهاجرين الأولين، ثم إلى
المدينة. شهد غزوة بدر وغزوة أحد. ومات في دار الهجرة بسبب إصابته بجرح في غزوة
أحد. وترك من ورائه أرملته (حفصة بنت عمر) وهي في الثامنة عشرة من عمرها.
زواج السيدة حفصة من الرسول (صلى الله عليه وسلم):
تألم سيدنا عمر لابنته. وأحزنه أن يلمح الترمل يقتل شبابها. وأراد أن يختار
لها زوجًا. وأختار لها (أبي بكر بن قحافة)، لكن أبا بكر أمسك لا يجيب. فاختار لها
(عثمان بن عفان)، لكن قال عثمان:"لا أريد أن أتزوج اليوم". وكان الرسول (صلى
الله عليه وسلم) قد ذكر حفصة أمام أبي بكر وعثمان. ولم يعلنا سره. وعندما ذكر
سيدنا عمر عدم موافقة أبي بكر وعثمان أمام الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال الرسول
(صلى الله عليه وسلم):"يتزوج حفصة من هو خير من عثمان". وتزوج الرسول (صلى
الله عليه وسلم) حفصة، وتهيأ بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) لاستقبال (حفصة).
الحوار
بين الزوجين ليس عيبا ولكنه وسيلة لحياة هادئة كلها علم ومودة ورحمة:
كانت حفصة تتناقش مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتجادله. وكان الرسول
(صلى الله عليه وسلم) يصحح لها ما ينقص عندها من معلومات. ذكر الرسول (صلى الله
عليه وسلم) عند حفصة أصحابه الذين بايعوه تحت شجرة الحديبية فقال:"لا يدخل
النار أن شاء الله أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها". قالت حفصة: "بلى
يا رسول الله"، وتلت الآية: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا
مقضيًا). فتلا الرسول (صلى الله عليه وسلم) الآية بعدها: "ثم ننجي الذين
أنفقوا ونذر الظالمين فيها جثيًا" صدق الله العظيم.
كل
بني آدم خطاء. وعلينا أن نتعلم من الأخطاء مثلما تعلمت السيدة حفصة:
أذاعت السيدة حفصة سرًا للرسول (صلى الله عليه وسلم) لعائشة بشأن مارية
القبطية. وثارت نساء النبي ضد مارية القبطية. وحزن الرسول صلى الله عليه وسلم من
زوجاته وهجرهن شهرًا. ونزلت الآيات: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا
أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ وَاللَّهُ
مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ
بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ
عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ
قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِن
تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ۖ وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ
فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ
وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ (4) عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن
يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ
تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)" صدق الله العظيم.
وعت السيد حفصة هذا الدرس. وكادت تهلك من حزن الرسول (صلى الله عليه وسلم).
وبعدها، لم تتسبب حفصة فيما يكره الرسول (صلى الله عليه وسلم) طيلة حياته أو بعد
وفاته. ومن ذلك، تتعلم كل امرأة ألا تُغضب الزوج. وإن أغضبته مرة، عليها ألا تغضبه
مرة أخرى؛ فالزوج أولى بالطاعة وبالمعروف وبالبشاشة.
السيدة
حفصة حافظة أول نسخة من القرآن الكريم:
لما انتقل الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى جوار الله كانت حفصة هي التي
اُختيرت من بين أمهات المؤمنين جميعًا، وفيهن عائشة، لتحفظ النسخة الخطية من
المصحف الشريف. وبقي المصحف لديها في مأمن إلى أن أخذه أمير المؤمنين (عثمان بن
عفان) في خلافته، فنسخ منه النسخ الأربعة التي وُزعت على الأمصار.
وتفرغت (حفصة) بعدها للعبادة. وعاشت صوامة قوامة إلى أن ماتت في أخريات عهد
(عثمان) أو في السنين الأولى من عهد (معاوية). ودُفنت بالبقيع في مقبرة أمهات
المؤمنين.
نماذج النساء التقية لا تنتهي. المرأة جوهرة مصانة عند أهلها، ثم جوهرة
مصانة عند زوجها. على المرأة أن تعلم كيف كرمها الله وأن تعرف قدر نفسها. على
المرأة أن تحافظ على كرامتها وكبريائها. ولا أقصد من ذلك أن أهمش دور المرأة وأن
المرأة فقط تابع في بيت أبيها أو في بيت زوجها. إنما أقصد أن تصون المرأة نفسها
أينما تكون. أقصد أن تتعلم وتتفقه في الدين والدنيا. أقصد أن المرأة هي عماد
الكون؛ فهي الأم التي تنجب الذكور والإناث، وهي المربية للأجيال وتبذل كل جهدها من
أجل ذلك وهي المحفز للزوج والمساعد له على تحمل أعباء الحياة. ويمكن للمرأة أن
تعمل مع الحفاظ على قيمتها فهي مخلوق كريم. على المرأة أن تضع حدودًا في التعامل
مع الآخرين، وخاصة الرجال. لا تذهب إلى العمل نقية وترجع منه محملة بالذنوب! لا
صداقة بين رجل وامرأة. المرأة لأمها ولأبيها ولبيتها ولأبنائها، وليست المرأة
للجميع. أيتها المرأة حافظي على نفسك أبيه عزيزة وغير مكسورة. تعلمي ما شئت من
العلوم. اعرفي ربك وتعاليم دينك. عيشي حياة هادئة واهنئي بنعيمها ولا تخالفي
طبيعتك الجميلة ولا تفسدي الحياة. اقتدي بأمهات
المؤمنين.