المرأة العازبة: هل هي المشكلة أم الحل؟ عن النساء العازبات وخاصة في العالم المتقدم



الاستقلال بالنسبة للنساء قد يكون بمثابة العقوبة. الكثير من النسوة العازبات فقيرات ومكافحات. يجني حوالي 50% من 3.3 مليون امرأة أمريكية الحدّ الأدنى من الأجور، أو أقل منه حتّى، وهم نسوة غير متزوجات. تعيش الكثيرات منهنّ، وغالباً مع أطفالهن، في مجتمعات تتفشّى فيها البطالة والتفرقة العنصرية والطبقية وحرب المخدرات التي تضع العديد من الشبّان اليافعين في السجون، ممّا يشكّل عائقاً أمام إمكانية قيام زيجات مستقرّة إلّا ما ندر. ممّا يجرّد العزوبة من كونها خياراً حرّاً، بل تصبح مجرّد حتميّة اجتماعية ملزمة. تعيش أكثر من نصف الأمّهات الشابات غير المتزوجات، ممّن أطفالهنّ دون السادسة من العمر، تحت خط الفقر، وهي نسبة تفوق بخمسة أضعاف نسبة النسوة المتزوجات من مثيلاتهن.

هذا حقيقي، الكثير من النسوة العازبات، من جميع الأعراق والطبقات، كان بودّهنّ لو يتزوجن، أو أن يحظين بعلاقة حب متبادل طويلة الأمد، ولكنّهن لم يجدن شركاء يريدون ذات الشيء، أو باستطاعتهنّ إدامته. البعض حقّاً يعيش الوحدة.

تعيش العديد من النسوة، في سنّ الثلاثين وغير متزوجات، في مناطق جغرافيّة، دينيّة، اجتماعية-اقتصادية من العالم حيث لا يزال الزواج المبكر عرفاً. بالتزامن مع وجود العديد من النسوة في الأربعينات والخمسينات والستينات من عمرهن، اللواتي لا يزلن عازبات جرّاء عوامل متعلقة بالظروف أكثر منها بحريّة الخيار، لا يشعرن بأنّهن يحيين في عالم جديد تمسك زمامه العازبات. إنّهن يشعرن بأنهنّ منبوذات وتحت الضغط، ويواجهن العقبات المفروضة من عوائلهنّ وأقرانهن.

على أيّة حال، وبالاعتماد على الإحصاء، فإنّ هؤلاء النسوة على طول العالم لسن لوحدهن. أعدادهنّ تتضاعف سنويّاً. كان هناك 3.9 مليون امرأة بالغة عازبة إضافية في عام 2014 منه في عام 2010. بين عامي 2008 و2011 تهاوى عدد الزيجات الجديدة بنسبة 14% لأولئك اللواتي لم تكملن الدراسة الثانوية، وبنسبة 10% للحائزيات على شهادة جامعية.

قرأت مقابلات كثيرة مع مجموعة كبيرة من النسوة حول العالم، من خلفيات وطبقات وأديان وأعراق مختلفة، حول تجاربهن في العيش عازبات.

[كنّا جميعنا نتوقّع بأنّ نتزوّج في السادسة والعشرين]، هذا ما قالته عزباء في السادسة والعشرين من عمرها، من اللواتي يعشن ويعملن في نيوجرسي، العزباء في السادسة والعشرين: [أنا لا أعرف أحداً متزوجاً. ويسود إحساسٌ بين أولئك الذين أعرفهم بأنّه من الغريب والمستهجن وغير المحبذ أن يكونوا متزوجين قبل الثلاثين]. قالت ميغان ريتشي، وهي طالبة جامعية مسيحيّة من مذهب العصمة البروتستانتي، بأنّها لن تتزوّج قبل الثانية والعشرين على الأقل. لأنّها تظنّ بأنّ ترك الكليّة لأجل الزواج، كما فعلت والدتها من قبل لتتزوّج والدها، لن يكون خياراً صائباً من الناحية الاقتصادية. أمّا أماندا نيفيل، وهي نيويوركيّة في الخامسة والثلاثين من عمرها، ذهبت إلى روسيا لتبني طفلة صمّاء، وذلك خلال عام من افتتاحها لمتجرٍ للنبيذ ودخولها في علاقة جديدة مع صديق حميم. أخبرتني آدا لي، أخصائية تجميل من أصل صيني تعيش في بروكلين، بأنّ قرارها بالانتظار حتّى أواخر الثلاثين من عمرها لكي تتزوّج وتنجب قد جعل حياتها  سعيدة، وحرّة.

أخذت بعض النسوة قرارهن بالوقوف في وجه الزواج المبكر، وذلك جرّاء خوفهن، ولو بشكل جزئي، من أن تقف المؤسسة الأسرية سدّاً في وجه طموحاتهن. كتبت جيسيكا بينيت، الصحفية التي رفضت عرضاً للزواج في سن الرابعة والعشرين: [في اللحظة التي رأيت فيها ذلك الخاتم، رأيت معه أطباقاً قذرة وحياة في الضواحي... رأيت مهنتي، التي بالكاد بدأت أنجح بها، قد أصبحت صعبة المنال... بدا الاستقلال الذي حصلت عليه لتوّي وكأنّه يبتعد. لم يعد بإمكاني التنفس]. البعض حزانى لعدم قدرتهم على إيجاد الشريك المناسب، مثلما الأمر في حالة إيليوت هولت، الروائية في الخامسة والأربعين من عمرها، والتي قالت: [أعتقد بأنّه لم تكن لديّ فكرة، ولم يكن لديّ المجال لأتوقع، حجم الضغط الناجم عن الوحدة التي أواجه في هذه المرحلة من حياتي]. وهناك أخريات، من بينهن سوزانا موريس، البروفسورة في اللغة الإنكليزيّة في جامعة ألاباما، ذات الأعوام الاثنين والثلاثين، وهنّ لسن قلقات حيال أنفسهن بذات قلقهن جرّاء نظرة الآخرين لهن: [إن الأمر الذي يسبب التوتر هو أنّك في كلّ مرّة تفتحين بها التلفاز أو مجلة أو كتاب ما، هناك أحدهم يخبرك بوجود خلل ما في كونك امرأة – أنت بدينة جداً، صاخبة جداً، لا أحد يرغب بالزواج منك هذا ينتج التوتر لا محالة]. 

هؤلاء النسوة لسن بانتظار حياتهن الحقيقية لتبدأ، إنّهن يعشن حياتهن، وهذه الحياة تتضمن تنوعاً يتناسب طرداً مع تنوعهن كنساء.

لنكون واضحين، إن الزيادة في عدد النسوة العازبات يجب أن يتمّ الاحتفال بها لا لكون العزوبية كحال في حدّ ذاتها أفضل أو أكثر جذباً من حال الأزواج. تكمن الثورة هنا في اتساع مدى الخيارات، إن رفع نير الإلزام الذي بقي لقرون في رقاب النسوة (غير المستعبدات)، من دون الاهتمام برغباتهن الشخصية، أو طموحاتهن، أو ظروفهن، أو نوعية الشركاء المتوافرين، والذي جرّهن على طريق واحد هو الزواج من ذكر والتحول إلى أمهات. يوجد الآن عددٌ غير منتهٍ من الطرقات المفتوحة، طرقات مختلفة تتشكل من خلائط من الحب، والجنس، والشراكة، والأمومة، والعمل، والصداقة، وكلها في سرعات مختلفة.

حياة الأنثى العازبة ليست وصفة دوائية لمرض ما، ولكنها عوضاً عن ذلك: التحرر

هذا التحرّر هو في صميم التطوّر البشري، ولكن هذا الوعد بالحرية قد كان صعب المنال بالنسبة لكثيرين من مقيمي البلاد المختلفة. زاد هذا من أهمية أن يصبح من المعلوم لدينا بأنّ الظفر والنصر بحياة مستقلة، والذي تمّ تمثيله غالباً بشكل رمزي بالنسوة الأكثر حظّاً في هذه البلاد، قد خاضت غمار حربه العديد من النساء اللواتي تمتعن بخيارات أقل بكثير لتخويلهن العيش بحرية: إنهنّ النسوة الملونات والفقيرات والمنتميات إلى الطبقة العاملة.



حقبة النساء العازبات:

أردت حساب كيفيّة قيام النسوة العازبات بإعادة تشكيل سياسات جزء من العالم وعائلاته، اللواتي عشن في جزء من القرن الواحد والعشرين، عن طريق التأخر في الزواج أو الامتناع عنه. باختصار، بينما فهمت أن الأمر بُني على مكاسب سياسيّة في الحقب الماضية، فقد آمنت بأنّها تؤرّخ لثورة سلوكية قامت بها النسوة في هذا العصر. 

ما تعلمته أثناء قراءاتي، أنّه برغم كون هذه اللحظة هي غير مسبوقة من ناحية حجمها، وذلك بفضل القدرة الحديثة للمرأة على أن تحيا حياة مستقلة، اقتصادياً وجنسياً، أكثر من أيّ وقت مضى، فإنّ الأمر لا يخلو من سابقة تاريخية. تسير النسوة العازبات، والمتأخرات في الزواج، اليوم في طريق تجاه الاستقلال تمّ تعبيده من قِبل أجيالٍ من النسوة اللواتي عشن عازبات في زمن كان فيه إتيان هذا الأمر أصعب بكثيرٍ منه اليوم. ولحسم الأمر، فإنّ كثيراً من تلك النسوة المتطرفات العازبات، أو المتأخرات في الزواج، هنّ ذات الأشخاص اللواتي كنّ قادرات على تكريس حياتهن العازبة، غير الأسرية، لتغيير بنى القوى في الأمّة، بطريق شكّل الدعم الأفضل لجيش اليوم من النسوة الأحرار.

في 1877، أعدّت سوزان ب. أنثوني، الأمريكية المنادية بحق الاقتراع والمكافحة لإلغاء العبودية والناشطة العمالية، خطاباً بعنوان: [منازل النسوة العازبات]. تنبّأت فيه بأنّ الرحلة نحو المساواة بين الجنسين سوف تمرّ، بالضرورة، بمرحلة تتوقف فيها النسوة عن الزواج لأجل المال، حيث قالت: [في انتقال النساء من حالة الخضوع إلى السيادة، لابدّ وأن تكون هناك مرحلة من الاكتفاء الذاتي، والقدرة على إعالة الذات].

ثم تتابع، بشيء من الاستبصار:

[بما أنّ النسوة الصغيرات قد أصبحن منخرطات بوظائف هذا العالم، فهذا معناه أنّهن ذقن حلاوة اللقمة المستقلة، ولهذا فسيكون من المستحيل، أكثر فأكثر، أن يقبلن ... بحدود الزواج التي تنص على أنّ الرجل والمرأة واحد، وبأنّ هذا الواحد هو الرجل... حتّى لو كان الرجل مقتنعاً بشكل كلي، وبصدق، بحرية المرأة ومساواتها، فإنّ قوّة القوانين والعادات القائمة منذ وقت طويل سوف تدفعه إلى ممارسة سلطته عليها، وهو ما لن يكون مقبولاً بالنسبة لامرأة معتمدة على ذاتها، وتحترم هذه الذات... ولن يكون لتعديل الدساتير والقوانين أي مفعول ثوري، سريع النتيجة، على العلاقات العملية بين الرجال والنساء، أكثر ممّا كان له على علاقة الرجال البيض بالسود عند إعطاء السود الحريات الدستورية، وحق الانتخاب، حيث حاز عبيد الأمس على حقوقهم المدنية والسياسية].

ولذلك فإنّ أنثوني قد توقعت بأنّ المنطق سيقودنا: [حتماً إلى عصر المرأة العازبة].

ها نحن ذا. إنّ عصر أنثوني التخيلي هو ضربة معلم، عصرٌ، مثل الذي عاشت فيه بنفسها، يشكّل فيه استقلال المرأة أداة حاسمة في الكفاح الطويل نحو الموقع العادل المتساوي في هذا العالم.




  • Share

    • 1845
    • 1,904