تسود في مجتمعنا العربي أو في أجزاء كبيرة منه (لكي نكون أكثر دقة) ثقافة وعقلية أن لا شأن للرجل أو الزوج بتدبير شؤون المنزل والقيام بأعماله المتعددة من طبخ ونظافة وغسيل وترتيب أثاث وكي الملابس وغيره وأن هذه الأمور هي من اختصاص المرأة أو الزوجة حصراً ولا شأن للرجل بها ولا دخل له فيها لا من قريب ولا من بعيد.
والأدهى والأمر من ذلك هو أن يعتقد الرجل أو المجتمع من حوله أن قيام معشر الرجال ببعض من تلك الأعمال هي انتقاص من رجولتهم وعلامة ضعف في شخصياتهم ودليل على تسيد المرأة واستبدادها عليهم.
ونقول لمن يحمل تلك العقليات السطحية وتسيطر عليه تلك النظرات والأفكار البدائية والقاصرة والتي هي في حقيقية الأمر نتاج طبيعي للتخلف والأمية والجهل المطبقين على أغلب مجتمعات عالمنا العربي، نقول لمثل هؤلاء مهلا.
فالرجولة أخلاق ومبادئ نبيلة وشيم وعادات حميدة لا يتمتع بها كل الناس، فهناك فرق جوهري بين الذكر والرجل.
فالرجل الحقيقي لا يتقيد بالتفاهات ولا يقع أسير الخرافات والخزعبلات، إنما يسير وفق مبادئ وقيم يؤمن بها ويعتقد فيها، يكتب بموجبها فصول حياته ويحدد على ضوءها حركاته وسكناته، وإلا فمنذ متى كان غسل الثياب وتنظيف الديار ومساعدة الزوجة المسكينة في تدبير شؤون منزل الزوجية عيباً؟ وفي أي عهد تسللت إلينا تلك الثقافة الحجرية.
هناك دوافع محلية وأسباب مجتمعية داخلية تدفع الرجل أساسا إلى الاعتقاد بأن قيامه ببعض أعمال المنزل هو نقص وعيب وعار يخدش رجولته وينتقص من فحولته ولعل أبرزها ما يلي:
أولا : نظرة المجتمع السلبية
يقع كثير من (الذكور) فريسة سهلة لمعتقدات المجتمع وعاداته السيئة فيجد الشخص نفسه أسيراً لنظرت الناس من حوله ومكبلاً برأيهم فيه فيسعى جاهدا للتقيد والالتزام بما تمليه عليه تلك المبادئ والقيم السلبية وهو على قناعة تامة بها فيعامل زوجته أو أخته أو حتى أمه وكأنها خادمة مهمتها الأساسية تدبير شؤون المطبخ والقيام بالتنظيف والغسيل وإعداد الطعام وغيرها من المهام بينما هو مسترخي بشكل مترهل على الكنبة يتنقل بين القنوات التلفزيونية متثاءبا بشكل مستمر ومعتقدا في قراره نفسه أنه قد أصبح رجل كامل وشامل.
ثانيا : انشغال الرجل عن المنزل
قد يعذر الرجل في عدم قيامه بمساعدة زوجته أو أخته أو أمه في تدبير شؤون المنزل وذلك في حاله واحدة فقط، وهو عندما يكون مشغول طوال النهار بتوفير لقمة العيش لأسرته ثم يعود مرهقا في المساء ليستريح، فهذا النوع من الرجال يُحترمون ويعذرون إجمالا.
والحديث هنا يخص الفئة المترهلة الكسولة التي تحاول لي ذراع الرجولة ليتناسب مع وضعهم المزري وهم الذين يعملون ساعات معدودة في وظائف حكومية أو مكتبية ثم يقضون باقي يومهم الطويل الفارغ إما أمام التلفاز أو في المقاهي ولا يقوى أحدهم على غسل كأس الشاي.
من باب الإنصاف للظاهرة فإن المرأة أحيانا قد تقصر في القيام بواجبها المنزلي خصوصا في المجتمعات العربية المترفة، فالخادمة تقوم بكل شيء نيابة عنها حتى في تربية الأطفال وللأسف الشديد كون المرأة إما موظفة أو مشغولة بدراسة وغيرها من الأمور فتترك خلفها شؤون المنزل وتصبح مترهلة على الكنبة مثل زوجها وهنا الكارثة بعينها.
أخيرا ليعلم الجميع أن إدارة شؤون المنزل والقيام بأعماله هي مهمة مشتركة بين الزوجين في أغلب المجتمعات المتحضرة فالرجل يطبخ وينظف ويغسل الثياب في حال غياب زوجته عن المنزل ولا يجد حرج في ذلك على الإطلاق بل يراه من صميم واجباته أن يقوم أحيانا بمساعدة زوجته، وهذا بالضبط ما ينبغي علينا القيام به في مجتمعنا العربي ولنا قدوه حسنة في خير البشر (صلى الله عليه وسلم) الذي كان يغسل ثوبه ويخسف نعله ويحلب شاته.