حسن الظن بالله: عبادة مهملة يجب أن لا نغفل عنها

إن الالتزام بمأموارت الدين وتجنب نواهيه أمر مفروض على الجميع، وهذه المأمورات وتلك النواهي بينهما مستحبات يؤجر المرء على عملها، ولا يُحاسب على تركها، وهي كثيرة وعديدة ووجودها رحمة من الله لعباده.
ومن هذه المستحبات ما يتصل بأعمال البدن كالنوافل بأنواعها والصدقات بأشكالها، ومنها ما يتصل بالروح كالحرص على نثر بذور المحبة والعمل على إرساء قواعد التواصل والإخاء والسعي من أجل طهارة النفس وتخليصها من أدران الدنيا 
وحسن الظن بالله والرضا طواعية بقضاءه وقدره من أهم المستحبات والعبادات التي يُثاب عليها المؤمن ويتقرب بها لله، وهي عبادات مهملة، كثيراً ما يغفل عنها الإنسان 
وحسن الظن بالله تعالي ؛ هو قوة اليقين بما وعد الله تعالى عبادة من سعة كرمة ورحمته ورجاء حصول ذلك، فعن أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي " رواه البخاري ومسلم ، فالله هنا يخبرنا على لسان نبيه صلوات ربي عليه بأن الله لا يُخيب أمل عبده فيه، فالعبد إن ظن بالله الخير فسيعطيه أكثر مما ظن لأنه كريم واسع الكرم 
كما يقول المولى في محكم كتابه " وإذا سألك عبادي عني فإني أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " البقرة 168 
كما أن تأخر استجابة الله لعباده لا يلزم القنوط لأن القنوط يتنافي مع عبادة حسن الظن بالله، قال تعالي " ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " الحجر 56 فالإنسان الذي يفقد ثقته بربه هو إنسان ضال يتخبط بلا هوية، لذا كان لزاماً محاربة اليأس والتفوق عليه، قال تعالي " ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " يوسف 87 
لقد ذكر المولي أن القانطين اليأيسين من رحمة ربهم هم الضالون الكافرون الذين يتخبطون في الحياة لأن قضاء الله نافذ فمهما اعترض الإنسان أو لم يرض فلا راد لقضاءه لذا وجب الرضا والرضوخ لكل ما يكتبه الله من أمور، بل والحمد والشكر على تلك الأمور لأن الله أرحم بعباده منهم، فما نراه مما لا يروق لنا هو رحمة ما بعدها رحمة
وسوء الظن مانع لاستجابة الدعاء فعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي " رواه البخاري ومسلم ، والحقيقة أن الله لا يرد أي دعاء لكنه يؤجره لهدف أسمى لا تدركه عقول البشر، فعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها أثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " رواه أحمد في مسنده  
فالله العظيم الكرم لا يرد دعوة المؤمن ابداً ما دامت في الخير إلا أن الاستجابة وهو لا يُسأل عنها  تكون بثلاث صور، إما التعجيل بها أو ادخارها في الآخرة لجلب العفو والرحمة يوم لا ينفع مال ولا بنون أو لصرف أذى في الدنيا لايكون في طاقة هذا المؤمن تحمله، قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا يزال القضاء والدعاء يعتلجان مابين الأرض والسماء "، ومعنى يعتلجان أي يتصارعان فأيهما غلب أصاب، فإن كان دعاء المؤمن أقوى رد الله تعالي بهه قضاءه الذي قدره، وإن كان العكس فالعكس 
والمقدم على سوء الظن بالله أن يفتش الإنسان في حاله فقد يكون على معصية تمنع استجابة الدعاء، وينبعي للمؤمن أن يحسن الظن بالله في كل المواطن، فهو خالقنا وأرحم بنا من أنفسنا.

يتأكد المعنى السابق فى مواطن عديدة منها: 

1-  عند الموت: فعن جابر رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل " رواه مسلم، وعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت، فقال له: " كيف تجدك ؟  قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف " رواه الترمذي  ، فالموت اختيار لصلابة الإيمان وفي لحظاته وجب على العبد أن يحسن الظن بربه، وها هم صحابة النبي صلوات ربي وسلامه عليه يضربون لنا المثل على ذلك فيستعدون للقاء ربهم وهم على يقين تام برحمته التي وسعت كل شئ، يخافون ذبونهم ويثقون في مغفرة ورحمة ربهم.
2-  عند الشدائد والكرب: وهنا وجب حسن الظن بالله في كونه المنجي وأنه لا سبيل للعبور من المحن إلا تحت ظله، والثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك لم يكشف ما بهم من ضيق إلا بعد حسن الظن بالله، قال تعال: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم " التوبة 117 ، وهؤلاء الصحابة هم مرارة بن الربيع الذي تخلف بسبب بستان له قد أينعت ثماره فحدثته نفسه إلا يتركه ويخرج في شدة الحر، هلال بن أمية الذي أنس بأهله فتردد في اللحاق بالغزوة، كعب بن مالك الذي منعه التسويف عن الجهاد، وفي لحظة استفاق الصحابة على مافعلوه بشعروا بالمرارة والحسرة وعجزوا عن التبرير أو الكذب على رسول الله فكان عقابهم النبذ وأم يتجنب الناس التعامل معهم مدة خمسين يوماً، عاقبوا فيها أنفسهم قبل عقاب الله لهم لكنهم تأكدوا من رحمت عفوه، وحين ضاقت عليهم الأرض بمن عليهم تساقطت رحمة الله عليهم فجاءت توبتهم من فوق سبع سموات 
3-  عند غلبة الدين، فعن الزبير بن العوام قوله لابنه عبدالله رضى الله عنهما: يا بني إن عجزت عن شئ من ديني فاستعن عليه مولاي، قال عبدالله بن الزبير بن العوام: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت من مولاك؟، قال: الله، فوالله ما وقعت في كربة من دين إلا قلت: يا مولي الزبير اقض عنه دينه فيقضيه. ( البخاري ) 
نسأل الله أن يلهمنا حسن الظن به وأن يصرفنا عنا ما لا نطيقه من كربات الدنيا 
 
تم الرجوع إلى:
محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري  ، مؤسسة الرسالة، ناشرون، بيروت لبنان 
أبي الحسن مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم، دار الكتب العربية، بيروت  ، لبنان 
 https://  islamqa.info /ar/ answers / 272434  تاريخ الزيارة 6/ 5/ 2019 م 






















  • Share

    • 2134
    • 2,403