فيسبوك هو الشبكة الاجتماعية الأضخم على الاطلاق في الوقت الحالي و في التاريخ أيضا. من أكثر من عقد من الزمان و فيسبوك يتربع على العرش السيبراني ويمتلك حاليا قاعدة بيانات تتخطى رقم 2.2 مليار مستخدم وربما وصل فيسبوك بالفعل للحد الأعلى من عدد المستخدمين الذي يمكن تحقيقه لأي موقع على كوكب الأرض في الوقت الحالي ومع وصوله للقمة يبدو أن أي توسع مستقبلي في عدد مستخدمي الموقع يعتمد بالأساس على تعداد السكان العالمي أو اكتشاف كوكب آخر يقطنه كائنات ذكية يمكنها استخدام الفيسبوك ولكن مع الوقت الحالي يبدو أن فيسبوك لا يمكن أن يكون أضخم مما هو عليه بالفعل.
تلقى فيسبوك ضربة موجعة استدعت مؤسسه (ماركت زوكربيرج) للادلاء بشهادته أمام الكونجرس الأمريكي على مدار يوميا في القضية المشهورة بتسريب معلومات مستخدميه لشركة كامبردج أناليتيكا البريطانية والتي قامت بدورها بتوظيف بيانات المستخدمين في الدعاية للمرشح الجمهوري الذي تم انتخابه لاحقا كرئيس لأمريكا (دونالد ترامب) في فضيحة انتخابية قد يكون لها الأثر في عزل الرئيس الأمريكي عن منصبه وتشديد القيود على موقع فيسبوك في المستقبل.
لم تكن فضيحة الموقع الأخيرة بعيدة عن اشاعات كثيرة تم تداولها وتأكد صدق بعضها بالفعل بخصوص تجسس الموقع على مستخدميه وتعقبهم أينما ذهبوا سواء أثناء تصفحهم للانترنت وحتى أثناء قيامهم بالدردشة العادية مع أصدقائهم عن طريق التنصت لسجل المكالمات و تسجيل المحادثات عن طريق مايكروفون الهواتف الخلوية. لم تكن فضيحة كامبردج أناليتيكا هي ما يشغل بال القائمين على الموقع بالفعل فقبل شهور وفي عام 2017 كان فيسبوك يتعرض لضربة موجعة بالفعل عن طريق انخفاض العوائد الاعلانية للسوق الأهم لمستخدمي الفيسبوك وهو السوق الأمريكي و الكندي حيث بينت الاحصائيات انخفاض الأوقات التي يقضيها مستخدمو الموقع من هذه البلدان على الموقع أو التطبيق الخاص به. القائمون على فيسبوك لاحظوا لأول مرة أن هناك قطاعات سوقية لم تعد تهتم بالفيسبوك كالسابق وصارت أوقاتهم على فيسبوك أقل اثارة و أكثر مللا.
يمكن لأي مستخدم على موقع فيسبوك الآن أن يلاحظ أن الوقت الذي يمضيه على فيسبوك صار أكثر مللا. يمكنك الآن امضاء بعض الوقت الممل على فيسبوك بحثا عن أي شيء جديد ولكنك لا تجد سوى بعض النكات السخيفة والمزيد من الأخبار القديمة من أصدقائك. الحقيقة هي أن ما تختبره الآن على فيسبوك هو نتيجة لعدة عوامل يتورط في بعضها فيسبوك نفسه وقد لخصناها لك في النقاط التالية:
صارت نقطة قوة فيسبوك وهي وجود قاعدة ضخمة من المستخدمين هي نقطة ضعفه الأهم. يمتلك الفيسبوك الكثير من المستخدمين الذين قد تعرفهم في الحقيقة والكثير منهم لا تسمح علاقتك معهم بتكوين صداقة حقيقية ويمكن اضافتهم لخانة المعارف فقط. الآن يمكنك استقبال الكثير من طلبات الصداقة من أي شخص على قائمة الاتصال في هاتفك الشخصي حيث يتحصل عليها فيسبوك. أيضا أي شخص تتحدث معه في الحقيقة أو عنه. فيسبوك سيستمع لمحادثتك حيث يتنصت على مايكروفون الهاتف الشخصي ويحلل البيانات التي يستمع إليها ويقترح عليك صداقات جديدة من محيط عملك أو حيث تحب أن تمضي الوقت. ستكون مضطرا أيضا لقبول صداقة أفراد العائلة و رئيسك في العمل الذي قد لا تحبه فعلا. ستكون مضطرا لقراءة تعليقاتهم و المواد التي يقومون بنشرها وسيطلعون على معلوماتك الشخصية كذلك، صورك، ما تشاهده من أفلام و ما تقرأه من كتب. كما أنه لا يمكنك التخلص منهم فهم عائلتك في نهاية الأمر وهذا رئيسك في العمل وقد تحدث مشاكل شخصية في حياتك الطبيعية من جراء ذلك.
ميزة أخرى كبيرة للفيسبوك هي نقطة ضعف أخرى ولا يمكن التخلص منها أيضا. الآن ستقوم بمحاكاة حياتك الافتراضية على فيسبوك مع حياتك الحقيقية. لا يمكنك التصرف بطريقة مختلفة وستعاني نفس المشاكل الحياتية ووستتصرف نفس التصرفات. نحن لا نتحدث هنا عن الخداع الرقمي ولكن دعنا نفترض أنك تملك بعض الهوايات و العادات التي ستجلب لك السخرية من بعض أصدقائك عند قراءتها على فيسبوك. قد تحب الكتابة ومشاهدة بعض الأفلام السخيفة ولكنك الآن أمام خيارين. إما أن تحتفظ بهواياتك لنفسك وتواصل رسم نفس الصورة الحقيقية على فيسبوك أو تقوم بالافراج عن مواهبك الدفينة وتتعرض للسخرية أو حتى انتهاك الخصوصية من بعض من لا ترغب في المشاركة معهم. الاشعارات الصحيحة تذهب للأشخاص الخطأ .
تحول الفيسبوك مع مرور الوقت لمكان للعجائز مع كامل احترامنا لكبار السن ولكن صار عليك التعامل مع كبار السن و مع المواد التي يقومون بنشرها على فيسبوك من نكات قد لا تكون مضحكة ووصفات للطبخ وحكايات عن الأيام القديمة الجيدة مع تأييدهم لأنظمة سياسية قمت بالثورة عليها لأنك تكرهها من كل قلبك. ولكن ماذا عن الأجيال الصغيرة و المراهقين؟. حسنا، المراهقون لا يحبون فيسبوك و هذه حقيقة أقرها فيسبوك بنفسه عندما حاول القائمون عليه شراء تطبيق سنابشات في مفاوضات بائت بالفشل. الأجيال الجديدة تفضل تطبيقات أكثر مرحا و أقل تقييدا. يمكنهم الآن تصدير صور وهمية عن طريق فلاتر سنابشات و ليس عليهم القلق من من تخزين بياناتهم لفترات طويلة. الرسائل و الصور تدمر نفسها ذاتيا. هناك أيضا تطبيقات سيكريت و وسيبر والتي تدمر الرسائل ذاتيا بعد فترة من الوقت ولم يعد على الأجيال الجديدة القلق من نسيان ما يقولونه ويكتبونه اليوم و الذي يتناسب مع طبيعة المراهقين المتقلبة والتي لا تريد الاتحفاظ بأي شيء من الحاضر والنظر للمستقبل.
كما ذكرنا في النقطة السابقة، فيسبوك لا يقوم بمسح البيانات وحتى إن حاولت مسح الرسائل الشخصية فان فيسبوك لن يقوم بمحوها وسيقوم بالاحتفاظ بها للأبد وهنا يكمن السؤال الأهم، من يدفع تكلفة تخزين المعلومات العظمى أو ما يعرف باسم بيج داتا ومن يدفع كلفة تخزين فيديو قمت بتسجيله من خمس سنوات أثناء القفز في حمام السباحة؟. الحقيقة هي أن الاجابة سهلة ، أنت من يقوم بدفع تكلفة تخزين بياناتك. هل تذكر عندما قمت بالموافقة على اتفاقية الاستخدام والخصوصية في أول مرة سجلت فيها حسابك على فيسبوك؟ لقد وافقت حينئذ على استخدام بياناتك الشخصية عن طريق الشركات المعلنة و موقع فيسبوك و أي شخص يمكنه دفع تكلفة هذه البيانات وربما لم تكن حادثة كامبردج أناليتيكا الوحيدة في تاريخ فيسبوك ولكنها الأهم لتأثيرها على سير الانتخابات الأمريكية. كل شيء تكتبه و تفعله و تقوله وتحبه و تكرهه وكل شخص تعرفه. كل شيء تفكر فيه يعرفه فيسبوك وهذه ليست مبالغة وسيظل يعرفه ولا توجد نية لمحوه وستظل تدفع التكلفة والتي تتمثل في أقل صورها ضررا في اعلانات تستهدفك أينما كنت.
في وقت ما في الماضي كان يمكنك الشعور بالفخر لقيامك بالتسجيل في الشبكة الاجتماعية الناشئة فيسبوك وكنت تشعر حينها بالتميز على أقرانك. الآن فيسبوك وصل لكل أنواع المستخدمين حتى الفئات الأقل تعليما و الفئات العمرية الكبرى و الذين قد لا يعلمون كيفية استخدام الانترنت ولكن لديهم حساب على فيسبوك. مع الاحترام للجميع ولكن الوقت قد حان للبحث عن موقع أو تطبيق أكثر تميزا و خصوصية و جودة أفضل في المعلومة التي تقرأها. مشكلة نعاني منها جميعا وهي الاشعارات التي تحتوي الكثير من الاشاعات و المعلومات الطبية و الدينية المغلوطة واذا حاولت تصحيح ما تراه خطئا سينتهي بك الأمر في عيادة الطبيب النفسي. كان على التكنولوجيا القيام بعلاج الفئات الأقل تعليما من مرض الجهل ولكن الجهل قد طغى حتى على الفيسبوك وصار مكانا غير مناسب لأي شخص يملك بعض المنطق والذي يمكنه من التفرقة بين ما هو غث و سمين.
سبب مهم آخر يجعلنا متيقنين من سقوط فيسبوك وهو الحولية التاريخية و المثل المشهور يقول أن التاريخ يعيد نفسه. ونعني بهذا التاريخ صعود نجم فيسبوك و انحسار نجوم كثيرة كانت تملأ الفضاء السيبراني. هل تذكر مايسبيس و آي سي كيو و ياهو و هاي فايف و برنامج المحادثات الشهير ام اس ان ميسينجر. ما الذي يجعل فيسبوك مختلفا عن أي من سابقيه سوى فكرة جديدة و انحسار فكرة قديمة. يوما ما سيقدم أحدهم فكرة أفضل من فيسبوك وسيهاجر إليها مستخدمي الانترنت ويتركون حينها فيسبوك أرضا خواء. هناك شبكات اجتماعية جديدة كل يوم وكل منها يبحث عن جزء من الكعكة و العالم يتجه نحو تخصيص الشبكات الاجتماعية. هناك شبكات اجتماعية لمستخدمي منصات الألعاب مثل بلاي ستيشن و نينتندو و حتى موقع أورك الذي تتصفح عليه المقال الآن حيث نحاول بناء شبكة اجتماعية للمقالات و المحتوى عوضا عن فكرة المنشورات الصغيرة لفيسبوك و تويتر.
فيسبوك قام بتغييرات جذرية في لوغارتم الاشعارات في محاولة - على حد قولهم - للقضاء على المعلومات المغلوطة و الكاذبة حيث قام بقتل نسبة الوصول الطبيعي أو الأورجانيك ريتش. الآن ستتلقى إشعارات فقط من الأشخاص الذين تعرفهم أو الصفحات التي تدفع الأموال مقابل الوصول إليك. يبدو أن فيسبوك قد كشر عن أنيابه تماما ولم يعد يتحمل حتى أصحاب المحتوى الجيد و الذي كان يمكنه الوصول إليك بشكل طبيعي بنسبة 5% فقط وقام فيسبوك بجعل هذه النسبة صفر%. الآن أنت كمستخدم ستكون عرضة فقط للاشعارات من الأشخاص الذين تضمهم لقائمة الأصدقاء و النسبة لصانعي المحتوى فلا عزاء لهم. إذا كنت من صناع المحتوى الجيد فلا يهمك كم عدد المرات التي تحاول فيها نشر محتواك، سيكون عليك الدفع من أجل الاعلان عن محتواك و إلا لن تبرح مكانك وستظل تنفخ في القربة المقطوعة للأبد. أو يمكنك الهجرة لمواقع و طرق تسويقية أقل كلفة و أكثر تخصصا من فيسبوك و العالم مليئ بشبكات التواصل الاجتماعي التي ستعوضك عن فقد فيسبوك بكل تأكيد.
و في النهاية نحن لا نكره فيسبوك ولا نحبه ولكننا نتمنى للعالم شبكة اجتماعية تحترم خصوصية المستخدم و تخصصه. شبكة لا تسعى فقط وراء الربحية ويمكنها تحقيق الخير للبشرية بدون التسبب في أضرار وتسريب بيانات شخصية بغرض الربح. إذا أعجبك المقال شاركه مع أصدقائك.