في العصور الوسطى في أوروبا، كان هناك تقليد شائع لجعل شخص ما يقع في غرامك، وكان يدعى «كعكة الحب». كانت الوصفة تستوجب منك طهي الكعكة وأنت عارٍ، وضغط العجينة بصدرك وإبطك وأعضاءك التناسلية حتّى تتشرب العرق. ثمّ تحملها إلى الشخص الذي يعجبك وتدفعه لأكلها. وبمجرّد التهامه للكعكة المغمسة بالعرق تلك، فيجب أن يصبح معجباً بك بدوره.
لكن في القرن الحادي والعشرين بات لدينا كعكة متطورة تخرج من المطبخ غير متعرقة، وهي بشكل لا يثير الدهشة قد طورت من قبل علماء ادعوا بأنّها الدواء القادر على تعديل الرغبات عبر العبث بالدماغ. هناك الكثير من التكهنات حول المستقبل ترى بأنّ الأدوية ستستهدف كيمياء العلاقات في الدماغ. بعض الأدوية تقوم بالفعل بتعزيز الثقة المرتبطة بالتجارب مع البشر، رغم أنّه لم يظهر بعد إن كانت هذه الدراسات ستترجم إلى أدوية واقعية يتم تداولها
• الأبحاث العصبية:
إنّ الأبحاث العصبية عن الشهوة والانجذاب والارتباط قد تتحول عمّا قريب إلى أدوية في الحقيقة. تبعاً لهذا المنطق، يمكننا أن نخفف من ألم الانفصال العاطفي الذي يكسر القلب عبر تناولنا لبضعة حبوب نجلبها من الصيدلية. بعض الخبراء يصفون أدوية تخفيف الألم مثل الأسبرين والإيبوبروفين من أجل علاج انكسار القلب وتقليل مشاعر الخذلان المصاحبة للانفصال. لكن رغم ذلك فإنّ فكرة «دواء للحب» يمكن أن تنتشر على نطاق واسع وتثير المخاوف من التلاعب بالمشاعر أو ربّما أسوأ حتّى.
قد يصبح الأمر في المستقبل شبيهاً للتالي: تخيّل بأنّ اثنين لديهما مشاكل في علاقتهما. يقرران أن يراجعا مستشار علاقات، ويبدآن العلاج بالعمل على مشاكل التواصل وحلّها. عبر مراحل العلاج المختلفة، تخطر للمعالج فكرة اللجوء إلى خيار ثانٍ: يمكنهما أن يتناولا بعض الأدوية وكفى.
تبعاً للباحث برايان إيرب من جامعة أكسفورد، فمستقبل الأدوية سيكون تسهيل الحب الذي يواجه بعض العقبات وليس إنتاجه من الصفر. حيث يشرح إيرب بأنّ هذا سيكون السيناريو الأكثر احتمالاً. ويقول إيرب في مقابلة مع شبكة أكسفورد للعلوم: «هذا الدواء يمكن استخدامه كمدعم للطرق التقليدية في تشكيل الحب بين الشريكين».
إنّ أبحاث إيرب وزملاؤه في جامعة أكسفورد تركّز على القضايا الأخلاقية التي تواجه التعزيز العصبي للحب والزواج. في عام 2015 أثارت المجموعة نقاشاً أخلاقياً داخل المجتمع العلمي بشأن تحويل الحب إلى مسألة طبية، وما إذا كان الأمر من قوى الشر أو الخير. وكان جوابهم ببساطة: الأمر نسبي.
شرح إيرب: «هناك على الأرجح أزواج سيستفيدون من القدرة على استخدام نتاج العلم والتكنولوجيات الطبية بشكل لا ينتقص من الطرائق والمناهج التقليدية أو العلاجات القديمة، وذلك في محاولة تحسين علاقاتهم مع شركائهم. نحن نعتمد بشكل أساسي فيما نقول عند الجدال على هذا الأمر بكل بساطة تبعاً لتعلّق الأمر بالعلاقات بين البشر وهي الأمر الهام جداً بالنسبة لرفاههم وتطورهم. يبدو منطقياً عند الشروع في دراسة خاصّة جداً بمثل هذه الاحتمالات العلمية والتكنولوجية. وذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ علاقاتنا هي بالفعل قد تمّ تحويلها لطبيّة إلى حدّ ما».
يمكن لاستشارات الأزواج أن تشكّل تدخلاً طبياً بحدّ ذاتها. والأكثر من ذلك أنّ العلماء يقرّون بأنّ العلاقات ووضعها له انعكاس مباشر على الصحّة العامّة للبشر. فأن تكون متزوجاً يجعلك في موقع أفضل لتخطي السرطان، ومعدّل إصابتك بذبحة صدرية أقل (تبعاً لمقال نشر في قسم الصحّة في صحيفة التلغراف). ويمكن كذلك الإقرار بأنّ عدم وجود ارتباط هو من عوامل الخطورة للإصابة بمشاكل صحية خطيرة مثل البدانة، وكذلك الإدمان على عادات سيئة على الصحّة مثل التدخين (وذلك تبعاً لبحث في مجلّة هارت الطبيّة).
• إعادة إحياء:
في الحقيقة ليست الأبحاث في مجال عقاقير الحب حديثة، فقد بدأت هذه الأبحاث منذ ثمانينيات القرن العشرين، ولكن منعت هذه الأبحاث والأدوية الناجمة عنها من الاستخدام في الولايات المتحدة في عام 1985، ولهذا سقط الدواء وأبحاثه على النطاق العالمي بعد ذلك. وقد حاجج إيرب وزملاؤه بأنّ إعادة إحياء مثل هذه الأبحاث والبرامج التطويرية لعقاقير الحب سيثبت جدواه.
ويشرح إيرب: «تبعاً لكون الوصمة السيئة قد سقطت عن الأبحاث، يمكننا الآن أن نجد بأنّها آمنة وعلاجية ويمكن استعمالها بشكل أخلاقي ومسيطر عليه. لا نعرف اليوم ما يكفي بشأن آثارها أكثر من المذكورة في الأبحاث الأصلية في الثمانينيات والتي لا يمكن أن نكون متيقنين بشأنها. ولهذا فعندما نجادل في هذا الموضوع فيجب أن تؤخذ كلماتنا بعين الاعتبار بحيث لا نسمح للناس بتجريب هذا الدواء على وضعه الحالي وقبل التحسين والتأكد من جميع آثاره السلبية».
كما أنّ الأبحاث في العشرين عاماً الماضية قد ألقت الضوء على الروابط بين الانجذاب الرومانسي والناقلات العصبية مثل الدوبامين والنورابينفرين. وبات يمكن للعلماء اليوم أن يضعوا خريطة محددة للتداخل بين الوسواس القهري من جهة والانجذاب الرومانسي من جهة أخرى، حيث يطوّر البشر أفكاراً وسواسية وطفيلية حول من يحبون، حتّى أنّهم يظهرون مستويات متشابهة منخفضة من السيروتونين لتلك الموجودة لدى المصابين بالوسواس القهري، وذلك بالمقارنة مع الأصحاء.
وهنا حيث يأتي عمل دور الأدوية «المضادة للحب» التي تهدف لتقليص الاستحواذ الذي يصاحب آلام الحب، وذلك كي يتحقق ما يسمّى «القطع الكيميائي». هناك أدلّة على أنّ أدوية مكافحة الاكتئاب «مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية SSRIs» التي تستخدم للتقليل من الأفكار الوسواسية في الوسواس القهري، يمكن أن تكون نافعة كذلك في حالات الانفصال العاطفي المؤلم. إنّ التطبيقات الافتراضية للأدوية المضادة للحب، وذلك بحسب إيرب وزملاءه، تشمل العلاقات الزوجية والحب غير المتبادل الذي يقود إلى الاكتئاب والإحباط، أو شريكاً مستغلاً أو المرضى بالاعتداء الجنسي على الأطفال.
• الخوف من أتمتة الحب:
يبقى هناك خطر تحويل الحب إلى شيء طبي، وتوفير حلول صيدلانية كيميائية لمشاكل شخصية ذات صبغة معقدة. كما أنّ هناك جانباً يثير الاشمئزاز بشأن إمكانية أن يتم إجبارك على أخذ أدوية لتحويل المشاعر. يوافق إيرب وفريقه على أنّ هناك اعتبارات ومخاوف يجب أن تؤخذ بالاعتبار في هذا السياق وخاصة إذا ما وضعنا بالاعتبار وصول هذه الأدوية إلى القصّر. وكذلك هناك مشكلة أنّ هذا العلاج قد تمّ تقديمه فيما مضى بوصفه علاجاً «شافٍ» للمثلية الجنسية، وهو الأمر الذي قد يكون له أثر ضار وهدّام للكثير من المجتمعات.
وإذا ما وضعنا جانباً الاستخدام القسري الذي تحدثنا عنه قبل قليل عن الأدوية، فكذلك هناك مخاطر شديدة من أن يتحوّل الأشخاص لتعاطيه والاعتماد عليه بشكل كلي لحلّ مشاكلهم. وهو الأمر الكارثي بحدّ ذاته سواء نجحت هذه الطريقة فحوّلت الناس عن محاولة التفاهم المدرك، أم لم تنجح وأوصلت الأشخاص إلى الإحباط.
يقول إيرب: «يمكن أن يستخدم هذا الدواء كذلك مثل (عكازة) لتجنّب التعامل مع المسائل التي تكون متجذرة في المشاكل العاطفية والتي تلقي بظلها على العلاقات. يمكن أن يستخدم أيضاً لمساعدة أحدهم لتخطي علاقة لا رجعة فيها بسرعة أكبر بحيث يتجنب الآثار السلبية لهذا التخطي. وبالتالي يجب علينا أن نمنحه لنقف بشكل حقيقي على ما يعكسه هذا الأمر ونتعلم من الأخطاء التي ستبدو لنا».
لكن علينا أن نضع بحسابنا أمراً قد يكون هاماً جداً لنا: هل حقاً سيساعدنا دواء يجعلنا نتخطى أحزاننا بسرعة؟ أليس الحزن أحد محددات نضجنا الحقيقي.