ينتظر المسلمون استطلاع هلال شهر ذي الحجة والإعلان عن غرة هذا الشهر العظيم وهو من الشهور العربية وتقويم السنة القمرية التى يقوم بها المسلمين بحساب تقويمهم،ومن المقرر أن يتم الإعلان عن غرة هذا الشهر يوم التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة الشهر الجاري، وهو الموافق الأول من شهر أغسطس.
ويتميز شهر ذي الحجة بقدسية خاصة فى حياة المسلمين ففيه يحج المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها إلى مكة ويخصصون أول أيام من الشهر لله عز وجل فى زيارة بيته الحرام وأداء مناسك الحج، تنفيذًا لأمر المولى عز وجل في الأيتين 27 و28 من سورة الحج " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ. لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ".
وأختص الله أول أيام من شهر ذي الحجة بميزات عديدة، فقد أقسم بها فى الأية الثانية من سورة الفجر" وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، وتقول دار الإفتاء المصرية فى فتوى لها أن المقصود بالليالي العشر المذكورة فى سورة الفجر هي أول ليالي فى من شهر ذي الحجة، وهي أيضًا الأيام المعلومات التى ذكرها الله في سورة الحج وأمر عباده فيها بذكر أسمه جل جلاله والتعبد له.
ولما تم التطرق له فى السطور السابقة من عظمة هذه الأيام ومكانتها فى الدين الإسلامي، فيستوجب على المسلمين فى هذه الأيام ذكر الله كثيرًا وأداء العبادات وتحسين أخلاقهم والتضرع فى الدعاء وترك المعاصي والأمور السيئة التى لا ترضي الله والتزود بالتقوى والصلاح، لذلك فإننا سنوضح معًا فضل هذه الأيام العشر في الإسلام ولما أختص الله هذه الأيام تحديدًا دون غيرها بهذه العظمة، إلى جانب توضيح ما يستوجب على المسلم القيام به ليفوز بروحانيات هذه الأيام العظيمة.
فضل الأيام العشر
بينت الآيات القرآنية عظمة الأيام العشر من شهر ذي الحجة، وكذلك تطرقت السنة النبوية فى الكثير من أحاديث رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، عن فضل الأيام العشر، فقد ورد في فضل هذه الأيام فى حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبُّ إِلَى اللهِ أَنْ يُتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ؛ يَعْدِلُ صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا بِصِيَامِ سَنَةٍ، وَقِيَامُ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا بِقِيَامِ لَيْلَةِ القَدْرِ» أخرجه الترمذي في "سننه".
كما ورد أيضًا فى فضل هذه الأيام حديث رواه ابن عباس رضى الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"، ويعنى الأيام العشر الأوائل من ذى الحجة، قالوا: "يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد فى سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشىء" رواه البخارى.
والدليل على فضل هذه الأيام عن غيرها من باقي أيام العام، هو أن الله عزَّ وجلَّ شرع فيها من الأعمال الجليلة الفاضلة، ما لم يشرعه في غيرها من الأيام، وأنها تختص باجتماع أمهات العبادة، فيها من الصلاة والصيام والصدقة والحج والأضاحي يوم العيد، ولا يتأتى ذلك في غيرها، ولهذا فإن إدراك هذه العشر المباركة نعمة عظيمة جليلة، وإن واجب المسلم استشعار هذه النعمة، واغتنام هذه الفرصة التي قد لا يدركها مرة أخرى.
كيفية إغتنام هذه الأيام والفوز فيها
وللفوز بهذه الأيام فيجب على المسلم في البداية التوبة النصوحة إلى الله والندم على إرتكاب الأمور الخاطئة وترك المعاصى التى تغضب الله وعدم التسبب فى أذى إلى عباد الله وعدم التشاحن والتباغض فيما بين المسلمين والمصالحة بين الأخوة والعفو عن بعضهم البعض، ثم بعد ذلك يحاول السير على الطريق الصحيح من خلال تنفيذ ما نصح به النبي الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وهي:
فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد". ويقصد بالتسبيح هنا هو قول "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، والتهيليل هو ترديد" لا إله إلا الله"، والتكبير أي ترديد "الله أكبر"، وجميع هذه التسابيح تسمى بالباقيات الصالحات وهي التسبيح والتهليل والتكبير وحمد الله، وهي لها اجر عظيم فى الأيام العاديه، ويتضاعف هذا الأجر بقدر عظمة هذه الأيام.
يعتبر الصيام من أهم العبادات التى تدرب المسلم على الخشوع لله والصوم عن المنكرات والشهوات، لذلك فإن للصيام أجر لا يعلمه إلا الله وحده، وثوابه فى هذه الأيام الكريمة عظيم جدًا فيعادل صيام يوم من هذه الأيام بصيام سنة كاملة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن " صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". ولكن الأيام المستحب فيها الصيام هي تسعة أيام فقط، فإن اليوم العاشر هو عيد الأصحى وهو من الأيام المحرم فيها على المسلمين الصيام فيها وهي "يوم الفطر" المقصود بها عيد الفطر، ويوم الأضحى" والمقصود بها عيد الأضحى وهو اليوم العاشر من ذي الحجة، وأيام التشريق" وهي الثلاثة أيام التالية لعيد الأضحى.
وهو اليوم التاسع من الأيام العشر وصيام هذا اليوم سنة مؤكده على كل مسلم قادر على الصيام، وثوابه يعادل صيام يغفر عام سابق وعام قادم، فقدر روي عن أبو قتادة رضى الله عنه، أن النبى قال: "صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يُكفر السنة التى قبله والسنة التى بعده"، رواه مسلم، ويُكفر هنا بمعنى يمحو الذنوب. كما أنه من أفضل الأيام المحبب فيها الدعاء فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له".
يعتبر النحر وذبح الأضاحي وإطعام الفقراء من أهم سمات يوم عيد الأضحى، فقد قال المولى عز وجل فى قرآنه العظيم فى الأية الثانية من سورة الكوثر "فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ". ويقصد بالنحر أن يقوم كل مسلم قادر بذبح أضحيته من الغنم أوالماشية وفقًا لقدرته الماديه، وإطعام الفقراء والمساكين بأن يخصص ثُلث هذه الأضحية للفقراء والمساكين، والثُلث الأخر للأقارب والمعارف، والثُلث الأخير لأهل البيت. ويبدء ذبح الأضحية بعد صلاة العيد ويستمر حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق.
ووفقًا للسنة النبوية فإذا أراد أحد أن يُضحي فعليه ألا يحلق رأسه ولا شاربه او لحيته من أول الأيام العشر لذي الحجة إلى أن يقوم بالنحر،فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم" إذا دخلتِ العَشْرُ وأراد أحدكم أن يُضحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعرِه وبشرِه شيئًا".
وقصة النحر فى الإسلام تأتي من قصة سيدنا إبراهيم مع إبنه سيدنا إسماعيل عندما أُفتدي سيدنا إسماعيل بحياته بنحر كبش من السماء أرسله الله بديلا للرؤية التى كان يراها سيدنا ابراهيم بنحر ابنه اسماعيل، ويقوم المسلمين بالنحر، تصديقًا وإيمانًا بهذه القصة. وفي فضل ذبح الأضاحي يوم النحر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما عمل آدميٌّ من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها - أي: فتوضع في ميزانه- وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفسًا" (رواه الترمذي).
فمن الأمور المستحبه أن يحتفل المسلمين بالعيدين الفطر والأضحى، بأن يرتدوا أفضل الثياب والتطيب بأفضل العطور وأن يصلوا صلاة العيد ويكبروا تكبيراته، وأن يقوموا بزيارة الأقارب وصلة الرحم وإخراج الأطفال للمتنزهات للعب والفرح والسرور. وجاء فى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، عن الحسن بن على رضي الله عنهما قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنِ مَا نَجِدُ".