علم التخدير هو أحد فروع الطب الحديثة نسبيا والتي بدأ ظهورها بظهور غازات التخدير الكلي واكتشاف غاز (الإيثير) حيث برهن طبيب الأسنان (ويليام مورتون) على امكانية تخدير المريض كلية بطريقة كافية لإجراء عمليا جراحية و ذلك عام 1846 عن طريق الجراح (جون كولنز وارين). كان أطباء الأسنان حينها يستخدمون غاز أوكسيد النيتروس (Nitrous Oxide) لتخدير المرضى في عيادات الأسنان وكان هذا النوع من التخدير غير كاف لإجراء عملية جراحية كبرى واستطاع حينها الطبيب (ويليام مورتون) البرهنة على أن الإيثير يصلح للتخدير الكلي بدرجة أفضل من أوكسيد النيتروس. تطور التخدير الكلي بعد ذلك كثيرا مرورا برحلة طويلة في المائة سنة الماضية تضمنت تطوير أجهزة التنفس الصناعي و أجهزة تبخير الغازات المخدرة و أنواع الغازات المخدرة وتطوير عقاقير تخديرية و مسكنات آلام أفيونية و أدوية مشلة للعضلات وغيرها من أدوية الإنعاش القلبي الرئوي و أنواع المحاليل و أيضا مشتقات الدم وبدائله و غيرها كثيرا من المستلزمات اللازمة لإجراء عملية التخدير الكلي على المرضى.
يتعرض آلاف المرضى يوميا للتخدير الكلي حول العالم و يتعامل المرضى مع طبيب التخدير تعامل الجمهور مع الساحر الذي يؤدي فقرته وهو وحده الذي يعلم سر صنعته ونظرا لتعقيد علم التخدير فإن تخصص التخدير انفصل تماما عن تخصص الجراحة حيث كان الجراح يقوم بتخدير المرضى في الماضي ثم إجراء العملية الجراحية ولكن لصعوبة و خطورة عملية التخدير و حاجتها لطبيب مختص فقد انفصل علم التخدير عن الجراحة و استمر التخدير في التطور ليتضمن تخصصي العناية المركزة وعلاج الألم فيما بعد و هو التصنيف الأكثر حداثة بحيث يكون التوصيف الوظيفي لطبيب التخدير هو (التخدير و العناية المركزة و علاج الألم).
التوصيف الوظيفي السابق يجب أن يعطيك لمحة بسيطة عن طبيعة عمل طبيب التخدير فإضافة العناية المركز لتخصص التخدير قد يعني لك أمرا ما وهو بالفعل وجود خطورة قائمة على المريض من جراء تلقيه أي نوع من أنواع التخدير و حاجته للعناية المشددة من قبل طبيب التخدير. إن نقص المعلومات المتاحة للعامة عن علم التخدير بوجه عام و التخدير الكلي بوجه خاص قد يكون ناتجا عن عدم دراية المريض بما يفعله طبيب التخدير بعد فقدانه الوعي و ربما كيف أفقده الوعي من الأساس ثم تمضي العملية الجراحية مهما طالت كلحظة يسيرة على المريض ليستيقظ بعدها محاطا بالأجهزة الطبية و المحاليل و الفوضى العارمة في غرفة العمليات ولا مانع من الكثير من الدماء على أرض الغرفة و بعض الثياب الطبية المتسخة ووجه طبيب التخدير ينظر إليه بنفس تلك النظرة الجامدة.
بداية عزيزي القارئ يجب أن نعترف أن نقص المعلومات الطبية لدى المرضى عن عملية التخدير ربما يكون السبب الرئيسي فيه هو المكون النفسي لشخصية طبيب التخدير الجامدة و قلة كلامه وصعوبة شرح وظيفته بالاضافة للكثير من الشائعات المنتشرة هنا و هناك عن تجارب المرضى في أثناء خضوعهم للتخدير الكلي والتي قد لا تتضمن شيئا في أغلب الأوقات ولكن قد تتطور لفشل عملية التخدير ككل و شعور المرضى بما يحدث حولهم جراء استيقاظهم أثناء العملية الجراحية أو ما يعرف باسم الوعي أثناء العملية (Awareness) ويوجد فيلم سينمائي باسم (Awake) أو (مستيقظ) يحكي عن ألم هذه التجربة عند استيقاظ مريض ما أثناء العملية الجراحية، انظر الرابط.
سنحاول الآن عزيزي القارئ محاولة تقديمك لعملية التخدير الكلي سواء كنت تجد في نفسك بعض الفضول لمعرفة كيف تتم هذه العملية بالتوازي مع العملية الجراحية أو كنت على وشك الخضوع لعملية جراحية - ونتمنى لك الشفاء العاجل بكل تأكيد - أو كنت قد خضعت بالفعل لعملية جراحية سابقة وتريد أن تعرف ماذا حدث لك حقا. بداية يجب أن نتعرف على أدوية التخدير اللازمة لتخديرك كليا.
تقوم النظرية الحديثة للتخدير الكلي على توافر أربعة أنواع من الأدوية التي يجب إعطاؤها للمريض تحت التخدير الكلي حتى تتم عملية التخدير بنجاح و بأقل خسائر ممكنة.
1- أدوية التخدير: و هي أدوية يتم إعطاؤها عن طريق المحقن الوريدي للبدء في إفقاد المريض وعيه وتوجد العديد من الأنواع لهذه الأدوية وغالبا يتم اختيار نوع واحد فقط من هذه العائلة. ربما تعرضت لحقن دواء أبيض اللون في محقن كبير أثناء إجراءك لعمليتك الجراحية ثم فقدت الوعي تماما بعد إتمام الحقن، هذا هوا دواء (بروبوفول) و المعروف تجاريا باسم (ديبريفان) و هو أحد أكثر أدوية التخدير الكلي شيوعا ويوجد أيضا (انترافال) و (كيتامين - كاتالار) و بعض الأدوية الأخرى الأقل شيوعا من هذه الأنواع الثلاثة. هذه الأدوية وظيفتها إفقادك الوعي في المرحلة الأولى من التخدير وقد تكفيك لفترة من التخدير لا تتعدى من 5-20 دقيقة حسب نوع الدواء وعلى طبيب التخدير أن يعاجلك بأدوية أخرى لتثبيت و استمرار عملية التخدير الكلي. هل تذكر حالة وفاة المطرب الشهير (مايكل جاكسون)؟ كان هذا نتيجة حقن زائد لعقار البروبوفول مما أدى لوفاته.
عقار بروبوفول المخدر
2- المخدرات الأفيونية و مسكنات الآلام: لقد تعاطيت المخدرات الآن! هل تفاجأت؟، الحقيقة أن مكونا أساسيا من عملية التخدير الكلي هو إعطاء المريض بعض مسكنات الآلام المشتقة من الأفيون وهذه الأدوية ممنوع بيعها للعامة بطبيعة الحال لمنع الإدمان ولكن طبيب التخدير يجيد استعمالها بجرعات محسوبة جيدا لتسكين آلامك أثناء العملية فلا يكفي الاعتماد على أدوية افقاد الوعي فقط دون الاعتماد على المخدرات الأفيونية أو بدائلها من مسكنات الآلام القوية. تأتي المخدرات الأفيونية في عدة أنواع دوائية تختلف في كيفية عملها ومدة سريان المفعول مثل أدوية: فنتانيل ومشتقاته مثل (سو فنتانيل و ريمي فنتانيل)، المورفين، النالوفين، البيثيدين، وغيرها من الأدوية المسكنة للآلام والتي قد تؤدي للادمان في حال استعمالها بطريقة خاطئة من قبل المرضى.
3- مشلات العضلات: هذه الأدوية تعمل على شلل عضلاتك تماما على الحركة ما عدا عضلة القلب ومن ضمن العضلات التي تتعرض للشلل هي عضلات التنفس حيث أنك تفقد القدرة تماما على التنفس أثناء العملية لعدم إعاقة عمل الجراح بسبب حركات التنفس غير المنتظمة و أيضا حاجة طبيب التخدير في تأمين ممراتك الهوائية و التحكم التام في عملية التنفس التي يتولاها طبيب التخدير بدلا عنك عن طريق استعمال جهاز للتنفس الصناعي (Ventilator). هل تعرضت للتخدير الكلي ثم أحسست ببعض الصعوبة في التنفس بشكل كافي عند استيقاظك؟ هذه هي بقايا الأدوية المشلة للعضلات وسينتهي تأثيرها سريعا من جسمك. هذه العائلة من الأدوية تتضمن الكثير و الكثير من الأدوية و تنقسم لعائلات أخرى من الأدوية ولا يسعنا في هذا المقال تفصيلها ويبقى علينا ذكرها إجمالا.
4- أدوية فقدان الذاكرة: جزء أساسي آخر من عملية التخدير الكلية هو إفقاد المريض الذاكرة لما قد يحس به أثناء العملية و لمنع بعض الذكريات السيئة نتيجة ضعف مستوى التخدير العام واقتراب المريض من الاستيقاظ في بعض الأحيان. تنتمي هذه الأدوية لعائلة (بينزديازيبين) و أشهر المشتقات التي تستخدم في العمليات هو دواء (ميدازولام) وتعمل هذه الأدوية أيضا على خفض التوتر عامة إذا تم إعطاؤها قبل العملية ويتم تداول بعض مشتقاتها كمثبطات للتوتر و مهدئات مثل دواء (زاناكس) الشهير و هو من أشهر مضادات الاكتئاب المتداولة على نحو تجاري.
5- غازات التخدير الكلي: وهي غازات يتم تقديمها للمريض عن طريق جهاز التنفس الصناعي لاستكمال عملية التخدير الكلي طوال فترة العملية وتقوم بدورها بعد زوال تأثير أدوية التخدير الوريدية قصيرة الأمد. تطورت غازات التخدير كثيرا بعد غاز الايثير القديم و أكثر الغازات شيوعا في الاستخدام الآن هي غازات سيفوفلورين، أيزوفلورين، و ديسفلورين. هذه الغازات ستحتاج وقت طويل وبتركيزات كبرى لكي تقوم بتخدير مريض بالغ لذلك فإن فكرة الأفلام السينمائية القائمة على اختطاف أشخاص بطريقة استنشاق بعض الغازات أو عن طريق فوطة مبتلة بالمخدر هي فكرة ضعيفة الاحتمال كثيرا ولا تمت للواقع بشيء و الانسان البالغ كما قلنا سيحتاج لتركيزات كبرى من المخدر و لفترة طويلة مستمرة حتى يفقد وعيه جراء استنشاق الغاز.
مباخر غازات التخدير بأنواع مختلفة
الآن و قد تعرفنا على الادوية الأساسية في عالم التخدير الكلي سنتعرض لبعض الأدوية الأخرى التي تساعد طبيب التخدير في أداء عمله.
1- أدوية التحكم في ضربات القلب و الضغط: هناك العديد من الأدوية التي تتولى رفع ضغط المريض مثل دواء (افدرين)، أو التي تقوم بزيادة عدد ضربات القلب في حال الانخفاض المفاجئ مثل (أتروبين)، أو أدوية الانعاش القلبي في حالات توقف عضلة القلب مثل (إيبينيفرين) و (ليفوفيد)، وهذه الادوية ضرورية لحالات اضطراب الدورة الدموية بشكل عام ويتم استخدامها في حالات الطوارئ ولكنها تبقى ملازمة لطبيب التخدير حيث يشكل التخدير بوجه عام عامل خطورة على فسيولوجية جسم المريض و قد تؤدي بعض أدوية التخدير لانخفاض ضغط المريض المفاجئ أو حتى توقف عضلة القلب في بعض الأحيان.
2- المحاليل الوريدية: ويعتبر أشهرها محلول (رينجر) و محلول الملح العادي (Normal Saline) و محلول جلوكوز بالطبع والذي يندر استخدامه من قبل أطباء التخدير بوجه عام على الرغم من الثقافة العامة لدى المرضى بأن محلول جلوكوز هو أفضلها للمريض ولكن علم التخدير له رأي مغاير في أغلب الأحيان. تقوم هذه المحاليل بتعويض المريض عن فقدان السوائل سواء عن طريق العملية الجراحية بالنزيف أو عن طريق عملية البخر العادية وتطلب صيام المريض عن الأكل و السوائل مدة كافية قبل العملية الجراحية (حوالي 8 ساعات في معظم الأحوال) ولذلك فعلى طبيب التخدير القيام بالتعويض الدائم للسوائل المفقودة للحفاظ على الدورة الدموية للمريض قائمة بكفائة ويتم حساب كميات المحاليل التي يجب إعطاؤها للمريض بدقة شديدة ويتم إعطاؤها بجدول زمني محدد.
3- الدم و مشتقاته: في حال تعرض المريض لنزيف شديد إثناء العملية الجراحية - لا قدر الله - فإن طبيب التخدير سيقوم بمخاطبة بنك الدم بالمستشفى لمطابقة فصيلتك و إعطاؤك بديلا عن الدماء التي قمت بنزفها أثناء العملية للوقاية من التعرض للأنيميا الحادة و فشل الدورة الدموية نتيجة نقص قوة الدم على حمل الأوكسجين و نقص عوامل التجلط. الدم و البلازما و الصفائح الدموية و غيرها هي بدائل يجب توافرها في حال التعرض للنزيف الشديد أثناء العملية الجراحية و هي أحد مهام طبيب التخدير الأساسية للحفاظ على حياة المريض.
4- أدوية أخرى: مثل أدوية منع القيئ أثناء و بعد العملية و أدوية خفض مستوىات حموضة المعدة و أدوية خفض التورم و أدوية أخرى كثيرة تتعامل مع حالات خطيرة و حرجة قد يتعرض لها طبيب التخدير في أي وقت.
الآن و قد انتهينا من شرح معظم الأدوية التي يستخدمها طبيب التخدير لتخديرك كليا سنقوم بشرح الأدوات و الأجهزة التي سيستخدمها طبيب التخدير في القيام بعملية التخدير الكلي:
1- القناة الوريدية: و هي أول وربما آخر إحساس بالألم ستحسه عند تعاملك مع طبيب التخدير. سيقوم طبيب التخدير بتركيب قناة وريدية (كانيولا) قبل بدء أي تعامل معك عن طريق وخزك بإبرة رفيعة لتركيب تلك القناة التي ستفيده فيما بعض لاعطائك الأدوية و المحاليل عن طريق الحقن الوريدي طوال مدة العملية.
2- الأنبوبة الحنجرية: وهي أنبوبة مطاطية مقواه سيتم وضعها داخل القصبة الهوائية مرورا بالحنجرة وستقوم هذه الأنبوبة بوظيفة حماية الممر الهوائي والرئتين من أي سوائل دخيلة أو أي من مكونات المعدة في حالات الارتجاع وبذلك الحفاظ على الممر الهوائي نظيفا و الوظيفة الأخرى هي توصيل الهواء بإحكام من جهاز التنفس الصناعي لرئتي المريض والعكس. هذه الأنبوبة أيضا قد تسبب آلاما لبعض المرضى بعد الانتهاء من العملية الجراحية وقد تحدث تقرحات بسيطة في الممر الهوائي من جرائها.
تركيب الأنبوبة الحنجرية للمريض
3- جهاز التنفس الصناعي: ويقوم هذا الجهاز الضخم ببديل عملية التنفس للمريض بالاضافة لخلط الأبخرة المخدرة بنسب معينة لتصل لرئتي المريض ويتم امتصاصها في الرئتين لتحدث تأثير التخدير المطلوب. بالطبع هذا الجهاز الضخم يكون موصلا بالعديد من خطوط الغازات مثل الأوكسجين و الهواء العادي و أوكسيد النيتروس أيضا في بعض البلدان المتوفر بها و أيضا دورة الشفط العامة في المستشفى بالاضافة لمباخر غازات التخدير الاستنشاقية و العديد من الوصلات البلاستيكية و الحوايا المطاطية و الصمامات التي تكون جميعها دورة التنفس الصناعي للمريض. أي خطأ في هذا الجهاز و أي انفصال غير مقصود في وصلات التنفس الصناعي قد يؤدي لفشل عملية التنفس الصناعي مما قد يؤدي لا قدر الله للوفاة و تاريخ الطب مليء بحالات الوفاة جراء انفصال إحدى وصلات جهاز التنفس الصناعي و نذكر أشهرها في الوطن العربي وفاة الفنانة (سعاد نصر) بعد انفصال وصلات جهاز التخدير بالخطأ أثناء العملية الجراحية.
4- جهاز متابعة العلامات الحيوية: وهي جهاز يتصل بالعديد من الجسات الطرفية للمتابعة المنتظمة للعلامات الحيوية للمريض أثناء الخضوع للتخدير مثل نسبة تشبع الأوكسجين في الدم و ضغط الدم وعدد ضربات القلب و مدى انتظامها و أيضا نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الدم وربما احتوى الجهاز أيضا على مجسات أخرى أكثر تخصصا و دقة في متابعة بعض العلامات الحيوية غير التقليدية.
5- بعض الأجهزة الأخرى: مثل جهاز الشفط المنفصل و ماكينة أكسجة الدورة الدموية (في عمليات القلب المفتوح) وأجهزة التدفئة للمرضى من صغار السن (الأطفال وحديثي الولادة) وغيرها الكثير جدا من الأجهزة المعقدة التي يتعامل معها طبيب التخدير في أثناء التخدير الكلي باستمرار.
1- سيقوم طبيب التخدير باعطائك بعض الأدوية المهدئة قبل العملية و ربما بعض أدوية معالجة ارتجاع المعدة.
2- ستتم متابعة علاماتك الحيوية عن طريق جهاز متابعة العلامات الحيوية قبل و أثناء و حتى بعد العملية الجراحية لبعض الوقت.
3- سيقوم طبيب التخدير بعدها بحقنك بأدوية التخدير الأربعة السابق ذكرها و قد يقوم بالتبديل فيما بين أنواعها المختلفة حسب الحالة القائمة للمريض.
4- ستفقد الوعي حينها وسيتولى طبيب التخدير تركيب الأنبوبة الحنجرية ثم توصيلك بجهاز التنفس الصناعي الذي سيتولى مهمة اجراء التنفس الصناعي بدلا عنك بعد فقدانك للوعي تماما واصابة عضلاتك بالشلل.
5- سيتم البدء في اعطاء المحاليل الوريدية و غازات التخدير الاستنشاقية بتركيزات معينة طوال مدة العملية ومتابعة حالة شلل العضلات و المحافظة عليها عن طريق حقن جرعات مساعدة من المشلات العضلية كل فترة محددة.
6- الآن الجراح سيمكنه أن يبدأ في إجراء الجراحة وسيقوم طبيب التخدير بعملية متابعة عملياتك الحيوية طوال فترة العملية و التأكد من كفاية أسلوب التخدير المتبع للحفاظ عليك فاقدا للوعي و بحالة فسيولوجية جيدة و أيضا التصرف بسرعة في حالات الطوارئ مثل نزف الدم المفاجئ و الذي قد يتعدى الحدود المسموح بها و أيضا حالة عضلة القلب وكفاءتها.
7- بعد انتهاء العملية سيقوم طبيب التخدير بايقاف استنشاق الغازات المخدرة و إعطاءك أدوية تتولى مقاومة أدوية شلل العضلات التي أعطيناها مسبقا وذلك للتأكد من عودة القوة الحركية بكفاءة قبل فصلك تماما عن جهاز التنفس الصناعي و استخراج الأنبوبة الحنجرية و التعامل السريع مع أي حالات طارئة مثل القيء و تشنج الممر الهوائي و الأحبال الصوتية مما قد يعيق من قدرة المريض على العودة للتنفس الطبيعي مرة أخرى.
هذا هو تلخيص عملية التخدير الكلي ببساطة وليس هذا كل شيء بالطبع فقد حاولنا اختزال المفاهيم العلمية و الاجراءات المتبعة قدر الامكان لنحاول الاجابة عن الأسئلة الحائرة في عقول البعض عن ما يتم فعلا أثناء التخدير الكلي وعلينا كنوع من أنواع الأمانة العلمية عرض بعض المخاطر التي قد تهدد حياة المريض أثناء خضوعه للتخدير الكلي.
1- اضطراب أو حتى توقف مفاجئ لعضلة القلب وخاصة في حال ضعف عضلة القلب في المرضى كبار السن و ذوي الاعتلالات القلبية.
2- انخفاض مفاجئ في ضغط الدم حيث أن العديد من أدوية التخدير الكلي قد تسبب انخفاض ضغط الدم المفاجئ. أيضا بعض الأدوية الأخرى تسبب ارتفاع ضغط الدم وعلى طبيب التخدير التعامل مع كلى الحالتين.
3- الحساسية لأي نوع من الأدوية المستخدمة في التخدير وقد يأتي في هيئة طفح جلدي أو اضطراب في ضربات القلب أو تورم مكان الحقن وقد يصل الأمر في حالات الحساسية المفرطة لدرجة الصدمة وفشل الدورة الدموية ككل مما قد يؤدي للوفاة.
4- احتقان الحنجرة و الممر الهوائي نتيجة تركيب الأنبوبة الحنجرية لفترة قد تصل لساعات.
5- التخدير الكلي قد يعرضك لدرجة أكبر من النزيف وخاصة أثناء عمليات الطرف السفلي و الولادات القيصرية بالمقارنة بالتخدير النصفي حيث يخفض التخدير النصفي النزيف المتوقع أثناء عملية الولادة القيصرية إلى النصف. أيضا قد يتأثر الطفل المولود ببعض أنواع الأدوية التي يتم حقنها للأم أثناء الولادة في التخدير الكلي مما قد يؤدي لخمول حركة الطفل المولود قليلا مقارنة بالتخدير النصفي.
6- آلام ما بعد العملية: وخاصة في حال عدم كفاية مسكنات الألم الأفيونية لفترة ما بعد العملية وقد يحس المريض بآلام شديدة بعد استفاقته من التخدير الكلي في موضع العملية وعلى طبيب التخدير التعامل مع هذه الآلام عن طريق تسكينها.
7- القيء و الارتجاع المعوي و قرح المعدة: حيث تؤدي العديد من أدوية التخدير الكلي و خاصة المخدرات الأفيونية إلى زيادة احتمالية القيء فيما بعد العملية.
8- صعوبة التنفس: نتيجة لعدم الاستفاقة الكاملة من المشلات العضلية و أيضا في حال إجراء عمليات تؤثر على عضلات التنفس الرئيسية أو المساعدة مثل عمليات البطن الكبرى و عمليات القفص الصدري و الرئة.
حاولنا في هذا المقال الاجابة الوافية عن طريقة التخدير الكلي و الاجراءات المتبعة و أيضا المخاطر المصاحبة للتخدير الكلي وتوعية المريض بأن التخدير ليس فقط استنشاق بعض الغازات أو بعض الأدوية التي يتم حقنها في القناة الوريدية و أن عملية التخدير الكلي هي عملية معقدة للغاية تضع المريض تحت خطر دائم منذ بداية وحتى انتهاء العملية. التخدير الكلي ليس أن تغمض عينيك ثم تفتحهما في سعادة لتجد أن الأمر قد انتهى فما تراه أو رأيته هو مجرد قشرة بسيطة جدا من العملية ككل و ما رايته بالمقارنة بما حدث لك هو الجزء الظاهر الصغير من جبل الجليد الضخم القابع تحت الماء. يتجه العالم ككل في تخصص التخدير إلى ابتكار أساليب أخرى لتخدير المرضى طرفيا و حتى موضعيا و محاولة الابتعاد عن خوض غمار التخدير الكلي وعلى عكس الثقافة الشعبية في العالم كله التي تفهمت مزايا التخدير النصفي و الطرفي عن التخدير الكلي فإن المريض العربي مازال يعتقد في أن التخدير الكلي هو أفضل الحلول المتاحة وهو ليس كذلك في الكثير من الأحوال. نصيحتنا الشخصية هي الانصات لطبيب التخدير و اللين في اختيار الحلول المتاحة التي يعرضها عليك في إجراء التخدير فهو في النهاية يريد الوصول بك إلى بر الأمان وتخطي تلك اللحظة الحرجة في حياتك بسلامة. قد عرضنا فيما سبق أيضا للتخدير النصفي في هذا المقال و قمنا بتبيان بعض الأساطير العامة و التي لا تصح عن التخدير النصفي و السمعة السيئة التي اكتسبها في العالم العربي نتيجة الحكايات الشعبية المتداولة والتي تميل أغلبها إلى المبالغة وعدم الدقة.