أعلم أن عبارة "لا تحاول" لها من الشهرة ما قد يجعلك تظن للوهلة الأولى أن محتوى هذا المقال مسروق أو على أحسن الأحوال هو ملخص الفصل الأول من الكتاب الشهير فن اللامبالاة للكاتب "مارك مانسون" و لكن دعني أقول لك "لا تحاول" ........ لا أنكر أنني قد طالعت الكتاب و هو كتاب مفيد بلا شك و لكن أنا هنا أوجه رسالة للقارئ العربي خصوصا متمضنة لوجهة نظري المتواضعة حيال فكرة "لا تحاول " أو عدم الإفراط في المبالاة بما يناسب مجتمعاتنا أكثر.
في الواقع أن عدم المبالاة أو السلبية المفرطة هي الأغلب على نمط السلوك العام في مجتمعاتنا و لكن مع ذلك فإننا نبالغ كثيرا في المبالاة لأمور لا ينبغي أن تستحوذ على كل هذا القدر من الاهتمام.
دعني أضرب لك مثالا بسيطًا ..... هذا المدير الذي يحرص دائما على تواجد آلة نفث معطر الجو داخل مكتبه تعمل و هو حريص كذلك على تواجد عبوة جديدة احتياطا حتى يضعها بالبخاخ عنما تنفذ العبوة الموجودة حاليا ....... إنه مهتم جدا أن تكون دائما رائحة مكتبه جميلة ........ حسنا هل هذا سيء؟ .... لا بالعكس و لكن الغريب أن نفس هذا الشخص مدخن شره و هو لا يبالي إذا أشعل السيجارة و هو يصعد درجات السلم إلى شقته و يمر أمام أبواب شقق جيرانه و يخرج من فمه نواتج احتراق التبغ و القطران بروائحها السيئة المؤذية ! إنه لا يبالي بل يمضي في طريقه إلى شقته و يطفئ سيجارته تحت حذائه قبل دخوله من باب الشقة مباشرة و ربما تستقبله زوجته أو أحد أبنائه فيعانقه أو يعانقها و رائحة نفَسه هي رائحة سموم الدخان!
هذا نموذج من النماذج التي تدل على التناقض السلوكي في مجتمعاتنا..... و لكن لا تحاول أن تناقش هذا المدير أو تنصحه ...... فقط لا تحاول.
إن الرضا عن الذات هو شعور كافٍ للمرء للمضي قدما دون التفات فيما يفعله إذا كان المجتمع حوله من الأهل و الزملاء و الجيران سلبيًا لا يحاول إسداء النصح و تقويم اعوجاج السلوك.
ترى شبابنا يتصارع في ميدان البحث عن العمل و البحث عن عمل براتب أعلى و أجر أكبر و لا ينفك يحاول الحصول على مزيد من المادة للحصول على وجاهة اجتماعية أو متعة آنية قد تضره و لا تنفعه أو تضره بقدر تمتع نفسه بها.
إذا تصفحت مواقع التواصل الاجتماعي فإنك لا تستطيع إحصاء إعلانات الدورات التدريبية و كورسات التنمية الذاتية و المهنية و المهارية و كل من المعلنين يدعي أنه يقدم المحتوى المثالي الذي لن تجد له مثيلاً على الشبكة العنكبوتية.
قابلت صديقي القديم الذي كان معي في نفس المدرسة طوال المرحلة الثانوية و دخلنا معا نفس الكلية .... نعم لقد كنا زميلين و صديقين مقربين لمدة ثمان سنوات كاملة و لكن بعد التخرج لم نلتقِ كثيرا...... قابلته بعد التخرج بست سنوات لقد كان في عطلته السنوية فهو يعمل بمؤسسة مرموقة خارج بلدنا و يتقاضى ربما ثلاثة أضعاف راتبي
تذكرت أنني كنت قد حصلت على عمل قبله بسنة أو أكثر لقد حصلت على عمل حتى قبل التخرج بينما كان صديقي هذا لا يزال لم يتدرب على العمل بعد. لقد كنت أسبقه بكثير .... نعم هكذا كنت أظن...... و لكنه لم يكن يكترث لذلك لم يكن ينافس كثيرا و لكنه بعد عامين أو ثلاثة فقط حصل على وظيفة في مؤسسة مرموقة كنت أحلم أن أحصل على مجرد مقابلة فيها.......... لقد كانت القيمة التي سعيت خلفها غير صحيحة ألا و هي الحصول على عمل قبل التخرج و أن أكون أول من يأخذ راتبا بين زملائي و لكن صديقي سعى خلف قيمة أفضل ألا وهي الحصول على وظيفة في مؤسسة مرموقة مستقرة ذات راتب مرتفع حتى و إن كان ذلك متأخرا بعض الشيء.
هكذا إننا نحن من نحدد القيم التي نسعى خلفها و لذلك تعلم أن لا تتسرع في تحديد ذلك انظر إلى العواقب.
المبالاة بين الإفراط و التفريط ....... لا شك أنه لا يمكن قياس هذا بمقياس دقيق و أن الأمر نسبي حاله كحال معظم القيم....... لا تحمل نفسك فوق طاقتها تذكر لاتحاول أن تكون مثاليا فقط تقبل حقيقة نقصك و لا تستسلم لهذا النقص ......... نحن بشر خلقنا الله و أراد أن نكون كذلك لن نكون كاملين معصومين أبدًا و لكن فقط ما يميز البعض منا و يجعله أفضل هو كيفية تأقلمه مع هذا النقص....... سوف تحدد نقاط ضعفك و نقاط قوتك حتى تستغل نقاط قوتك في التعامل مع ما يترتب على نقاط ضعفك من مشاكل و سلبيات.
أنا لا أصدق أبدا أن وقوفك أمام المرآة لمدة نصف ساعة كل صباح لتردد عبارات الثقة بالذات و أنك تستطيع أن تنجز المهمات العظيمة .... لا أصدق أن ذلك يقضي على نقاط الضعف التي فينا..... و لكن ذلك قد ينفع في حالة انعدام أو نقص الثقة بالقدرات البشرية التي منحك الله إياها..... و مع ذلك فهو يبقى جزءا من العلاج فقط و ليس هو المعول عليه .....
"ماحكّ جلدك مثل ظفرك فتولّ أنت جميع أمرك" لا تنتظر مساعدة أحد ....... لقد تلقيت صفعات كثيرة ممن كنت أنتظر منهم المساعدة في مشكلاتي الحياتية..... حتى طبقت هذه الحكمة.
لا تعاتب أحدا لأنه لم يساعدك أو لم يهتم كثيرا لمشكلتك سواء كانت مادية أو معنوية فلتختر أنت أن تكون مسئولا عن كافة قراراتك و ما يترتب عليها من مشكلات.
الصبر السلبي ....... "ازرع أرض تربتك مهما كانت الظروف و لا تتركها فتبور" تأمل هذا المثال اثنان من المزارعين يمتلك كل منهما فدانا من الأرض بجوار بعضهما البعض يزرعان محصولا ما في موسم معين من كل عام و لكن هذا العام حدث تغير ما مفاجئ في ظروف التربة أو المناخ أو المياه مما حال دون زراعة هذا المحصول المعتاد فقرر أحد المزارعين عدم زراعة أرضه هذا الموسم لأن الظروف غير مواتية بينما قرر المرزارع الآخر زراعة محصول آخر يتناسب مع الظروف الجديدة بدلا من أن يترك أرضه دون زراعة هذا الموسم و ابلفعل حدد النوع البديل الذي قرر زراعته و بدأ العمل في اليوم التالي في حين كان جاره الأول يستريح في بيته أو يخرج لينظر فقط إلى الأرض و يشاهد جاره يزرع المحصول الجديد و يقول لنفسه "ماذا يزرع جاري هذا إنه يضيع جهده عبثا كان عليه أن يصب حتى تكون الظروف مناسبة لزراعة محصولنا المعتاد و الذي يعود علينا بالربح المضمون" لم يكلف هذا المزارع الصابر صبرا سلبيا نفسه حتى أن يساعد جاره أو أن يسأله ماذا يزرع أو لماذا اختار أن يزرع أرضه بدلا من انتظار أن تعود المياه لمجاريها ........ هل تعلم أن المزارع الثاني الذي قرر المجازفة قد صبر إيجابيا على مشقة فلاحة الأرض و تكاليف الزراعة لمحصول جديد و في وقت الحصاد سيتذوق حتما حلاوة جهده لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً .......... بينما خسر المزارع السلبي لياقته البدنية التي يحتاج إليها في فلاحة الأرض لأنه ظل الموسم دون عمل و ربما قلت خصوبة الأرض أيضا نتيجة لذلك.
الصبر مثل أي دواء او علاج له منافعه و له آثاره الجانبية السلبية المترتبة على استعماله بطريقة غير صائبة أو بجرعة زائدة أو في حالة تتعارض مع هذا الدواء.