لمحة فى حياة زوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز

كانت نساء بني أمية ينتظرن بقلق وحيرة وشغف ليعرفن من سيتولى منصب خلافة المسلمين بعد سليمان. وهناك ترى فتاة تجلس وحدها لها نصيب كبير من الجمال ولم تكن تملك فقط الجمال ولكنها أيضا تملك النسبو الشرف. وعلى غير كل النساء اللاتي كان ينتظرن اعلان الخليفة، فهي لم تشارك بقية النساء أملهن بأن تكون زوجة الخليفة مثلهم. فهى تملك الكثير فلم ينال أحد مثل نسبها وأصلها وشرفه. ولذلك كانت تجلس بعيدا عنهم في طرف المجلس ويأتى صوت ليعلن من هو أمير المؤمنين الجديد أنه عمر بن عبد العزيز! 

إن تلك المرأة لم تكن الا فاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز، وهى وليدة بيت الخلافة الأموي فهى سيدة القصر منذ طفولتها فمن مثلها بنت الخليفة وأخت الخلفاء والآن هي زوجة الخليفة أمير المؤمنين عمر بن العزيز.

و تأتى أخبار الخليفة الجديد للقصر فيعرفون أن الخليفة عمر بن عبد العزيز قد ألغى الموكب المعتاد ورفض مراكب الخلفاء وركب دابته، وألغى حفلات البيعة، بل رفض أيضا أن يمد يده إلى شيء من أموال الخزانة رغم أنه كان غارق في الرفاهية. ولا تصدق فاطمة بنت عبد الملك زوجها قد غعل كل ذلك وأنه يهرب من الدنيا التي جاءته مقبلة عليه.

و انتظرت فاطمة بنت عبد الملك زوجها بعد اعلان الخلافة ليدخل عليها وهو يبكي. فتحاول فاطمة تهدئته وتسأله ماذا أصابه فهو اليوم خليفة المسلمين. فيبكي بكاء شديدا ويقول لها يا فاطمة لقد فكرت بالفقيرالجائع والمسكين الضعيف والمظلوم المقهورو أن الله عز وجل سائلي عنهم يوم القيامة. وهنا تعرف فاطمة انها أن هناك حياة جديدة مليئة بالمسئوليات والأعباء التي فرضتها الخلافة عليهم سويا، وكيف لا وهو حفيد عمر بن الخطاب.

و يعطى عمر بن عبد العزيز لزوجته الاختيار فيقول لها لا أريد أن أظلمك واخاف ألا تصبري على ما اخترته لنفسي من ألوان العيش. فلو أردت لذهيت إلى دار أبيك. فتسأله فاطمة ماذا سيفعل فيرد عليها بأن الأموال التي تحت أيديهم هي من أموال المسلمين وأنه على ردها.

فيقول عمر بن عبد العزيز لزوجته: أنا بادئ بنفسي، ولن استبقي إلا قطعة ارض لي اشتريتها من كسبي، وسأعيش منها وحدها. فان كنت لا تصبرين على الضيق بعد السعة فالحقي بدار أبيك! قالت: وما الذي حملك على هذا؟

قال: يا فاطمة إن لي نفس تواقة، ما نالت شيئا إلا اشتهت ما هو خير منه، اشتهيت الإمارة، فلما نلتها اشتهيت الخلافة، فلما نلتها اشتهيت ما هو خير منها، وهو الجنة!

فكان ردها: اصنع ما تراه فانا معك، وما كنت لأصاحبك في النعيم وادعك في الضيق، وأنا راضية بما ترضى به. وبدأ عمر فاعتق الإماء والعبيد، وسرح الخدم، وترك القصر، ورد ما كان له فيه إلى بيت المال وسكن دارا صغيرة شمال المسجد.

و تحولت حياة فاطمة من سيدة القصر إلى امرأة بسيطة تعمل بيديها دون خادم أو معاون فتغسل الثوب وتعجن العجين وتطهو الطعام وهي راضية مطمئنة فهي تعلم انها على حق وتحب ما تفعل بل هو اختيارها. فحكم عمر بن عبد العزيز لم يغير حياتها فقط بل غير نظام الحكم الأموي ورغم انه لم يمر الا عامين وبضعة أشهر على حكم الخليفة عمر بن العزيز الا أن الخير شمل أنحاء البلاد من أقاصي الشرق عند نهر سيحون إلى أقاصي الغرب في المغرب والأندلس حتى أن من يعمل على الصدقات يطوف بالبلاد ليوزع الصدفات فلا يجد من يقبلها، فالكل عنده خير كثير ولا يحتاج للصدقة. ومن يستطيع فعل ذلك كما فعلها حفيد الفاروق.

ولم يكن قد بقي لفاطمة من أيام النعيم إلا جواهرها، فقال لها يوما: يا فاطمة، قد علمت أن هذه الجواهر قد أخذها أبوك من أموال المسلمين وأهداها إليك، واني أكره آن تكون معي في بيتي. فاختاري إما أن ترديها إلى بيت المال أو تأذني لي في فراقك!

قالت: بل اختارك والله عليها وعلى أضعافها لو كانت لي! وردت الحلي إلى بيت المال.

و يحكى أن في أعرابية جاءت في يوم تريد مقابلة الخليفة عمر بن عبد العزيز فدلها الناس على بيته، فوجدت البيت بسيطا. فطرقت الباب وفتحت لها تغطى يديها العجين، فتسألها الأعرابية عن مقابلة الخليفة عمر بن عبد العزيز، فتطلب منها المرأة أن الانتظارحتى يأتي الخليفة وترى بجانب حائط البيت رجل يقوم باصاح الجدار، وبقع الطين تملأ يديه وثوبه. فتنظر الأعرابية بتعجب كيف تجلس المرأة التي تقوم بعجن العجين أمام الطيان الغريب دون ساتر. فقامت الأعرابية بسؤال المراة عن هذا الطيان وكيف تجلس أمامه دون أن تستر نفسها. فترد عليها المرأة ضاحكة تقول إنه الخليفة عمر بن عبد العزيز وأنا زوجته فاطمة بنت عبد الملك.

و مرت الأيام ومات عمر بن عبد العزيز حزنت عليه فاطمة حزنا شديدا حتى ذهب بصرها. فيدخل عليها أخواها مسلمة وهشام حتى تنفرج وترجع لحياتها ويعرضان عليها الأموال والجواهر. فتقول فاطمة لهم انها لا تبكي على مال ولا نعمة، ولكني لقد تذكرت موقف للخليفة فبكيت. فسألها ما هذا الموقف. فتخبرهم فاطمة أنها رأته في ليلة قائما يصلي وكان يقرأ (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش) فبكي بكاءا شديدا حتى غشى عليه وظنت أن نفسه قد خرجت ولم يجبها حتى نادته للصلاة.

و عندما تولي أخوها يزيد الخلافة رد عليها جواهرها ولكنها رفضت ذلك وقالت قولها المشور: لا والله أبدا، ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا. تلك هي سيدة القصر فاطمة بنت عبد الملك زوجة الخليفة عمر بن عبد العزيز التي حفرت في التاريخ بصمات واضحة لحسن الاختيار فكانت مصباح يهتدي بها النساء جميعا فى الصلاح والوفاء ... رحم الله فاطمة بنت عبد الملك ورحم الله عمر بن عبد العزيز.


  • Share

    • 4074
    • 5,133