إنّه الذهب، المعدن الذي سلبّ لبّ الكثيرين. الذهب، المادّة التي اشتعلت الحروب لأجلها، والتي يمكن أن تغيّر وجه عالمنا القادم في الصراع مع الدولار. لكنّنا لن نهتم الآن بهذه الميزة للذهب، بل سنمضي إلى حيث لمعان الذهب يُفقد من ينظر إليه عقله، إلى حيث يتم تحويل هذا المعدن الطيّع اللامع المقاوم للصدأ إلى مجوهرات ثمينة، من حيث قيمتها ومن حيث مركزها منذ العصور القديمة. إنّ ما يجمع الحليّ أو الاكسسوارات التي سنقدمها الآن هو أنّها جميعاً من الحضارات القديمة التي نشأت على حوض المتوسط، إضافة إلى الحرفية العالية في صناعتها وفي تصميمها الفريد، سواء في زمانها وحتّى في زماننا.
1• قلادة النحل من مينوان:
هي قلادة من الحديد القاسي تظهر نحلتين يقبضان على خليّة نحل. وتعود القلادة إلى ما بين عامي 1800 و1700 قبل الميلاد. وجدت في مقبرة القصر القديم قرب ماليا في جزيرة كريت.
وحضارة مينوان هذه قد ازدهرت في العصر البرونزي في جزيرة كريت الموجودة في شرقي المتوسط. ودامت الحضارة ما بين عامي 2000 قبل الميلاد إلى 1500 قبل الميلاد. لقد ساهمت حضارة مينوان عبر فنونها وعمارتها الفريدة، وعبر انتشار أفكارها نتيجة اتصالها ببقية الحضارات على طول بحر إيجة، تركت حضارة مينوتان أثراً عظيماً في تطوّر الحضارة الأوربية-الغربية التي ننظر إليها اليوم بشيء من الحسد. ومن أشهر الأشكال تجسيداً في هذه الحضارة الثور والمواكب. وقد تركت ورائها الكثير من الحلي الذهبية الفريدة والآنية الحجرية الأخاذة. وبالتأكيد كانت اللوحات والفنون التي تقتبس من حياة مينوان البحرية طاغية في الكثير من الأماكن والمراحل.
وقد وجدت قبور ومستوطنات مينوان على طول جزيرة كريت، لكنّ تركزها الرئيسي كان في أربعة أماكن:
- نوسوس «knossos».
- فايستوس «phaistors».
- ماليا «Malia».
- زاكروس «Zakros».
وقد توضعت في هذه الأماكن الأبنية الضخمة ذات الغرف الكثيرة، وكذلك الإدارات التجارية والدينية وغالباً المراكز السياسية. ويشير غياب التحصينات في الأعم إلى أنّ السلم كان يسود معظم مراحل هذه المجتمعات، سواء فيما بينها أو مع المحيط. لكن هناك وجود لآثار أسلحة مثل السيوف والخناجر والنبال والسهام، وكذلك معدات دفاعية مثل الدروع والخوذ، وهو ما يشير إلى أنّ السلم لم يكن كلياً في هذه الأرجاء. كما أنّ الطرقات التي تصل في المدن الكبيرة والبلدات الصغيرة كان عليها أبنية تشبه مفارز الحراسة، وهو بدوره ما يشير إلى مخاوف من أعمال عنفية قد تكون مقتصرة على الخوف من قطّاع الطرق وليس بالضرورة أعمال عسكرية منظمة.
والدين في حضارة مينوان يبقى إلى اليوم غامض، لكن هناك بعض التفاصيل قد انكشفت عبر دراسة البقايا المعمارية والفنية. فعلى الغالب كان في مينوان طقوس احتفالية تمّ فيها مدّ الموائد وشرب الخمور ولعب الرياضات التنافسية مثل ترقيص الثيران. وعموماً كان يتم تمثيل الأرض بإلهة أم لتشبه بذلك الحضارات الأصيلة التي كان لديها آلهات أمّهات في وادي الرافدين وسوريا. لكن الأكيد والذي لا يحمل مجالاً للشك هو أنّ حضارة مينوان قد منحت الثور مكانة قدسية عالية في مجتمعاتهم، حيث نرى قرونه من السمات الثابتة في عمارتهم وفي مجوهراتهم وآنيتهم.
2• مجوهرات ميسينا:
ومنها عقد من الذهب المتثاقل الذي وجد في منطقة ميسينا، ويعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
وميسينا هذه كانت مدينة محصنة من العصر البرونزي المتأخر، وتقع بين هضبتين في منطقة البلوبونيز في اليونان. الأكروبوليس اليوم يعود إلى الحقبة التي كانت فيها ميسينا في أوجه قوتها وتأثيرها وتعبيراتها الفنية.
والقصّة الأسطورية لميسينا هي أنّ بيرسيوس البطل قد أوجدها ومنحها اسمه بعد سقوط سيفه على الأرض واعتباره فألاً حسناً. خاصة وأنّ مكان السيف قد بجس الأرض فخرج الماء ليغدو في الأرض حياة. كان بيرسيوس هذا أوّل ملوك سلالة بيرسيد، وآخرهم يوريثيوس الشهير الذي فرض على هرقل المهام الاثنا عشر. ثمّ أتت سلالة الأتريديس الذي خرج منها أغاممنون الذي تزعم بلاد الإغريق جميعها وشنّ الحملة على طروادة لتتسطر الملحمة الشهيرة التي يعرفها جميعنا أو سمع بها بشكل مقتضب على الأقل. وقد وصفت ميسينا في ملحمة الإلياذة بأنّها قلعة حصينة مترامية الأطراف، وكذلك بأنّها مدينة الذهب. وقد دعم هذه الأساطير اكتشاف 15 كيلوغرام من الذهب في أحد التوابيت المفتوحة في الأكروبوليس.
وقد اعتمدت ميسينا في عمارتها على مركز للمدينة، وهو قصر كبير، وحوله تتوضع المنازل. وكذلك اعمد ذات الطراز المعماري داخل القصور الكبيرة، حيث يكون هناك بناء مركزي وحوله ساحة وعلى أطرافها الأبنية التابعة. ومن المحتمل رغم الجدل الكبير بشأن هذا أنّ ميسينا كانت تحكم المدن والبلدات التابعة لها في محيطها بشكل مركزي، وبأنّ القرارات كانت تتخذ في القصر الأوسط في ميسينا.
وقد دمّر القصر الأول بسبب الزلازل على الأغلب، ثمّ أعيد ترميمه وتوسيعه بشكل كبير. وحفرت قناة تصل القصر بالمنبع الذي تدور الأسطورة حوله. ثمّ مدّ سور المدينة والقصر ليشمل كلّ ما ذكر، وكان السبب في ذلك على الأغلب لزيادة تحصين المدينة ضدّ الغزو الخارجي وضدّ الحصار. وقد تزامن انحسار القوّة الميسينة مع صعود نجم أرغوس، وهي التي باتت تهيمن على المنطقة بأسرها. ورغم أنّ سبب ضعف ميسينا لا يزال يحتل الجدل العام بين الباحثين، إلّا أنّ هناك شبه إجماع على أنّ الكوارث الطبيعية والنزاعات الاجتماعية الداخلية كانا السببان الأبرز في انهيار بنى السلطة في المدينة، ومن ثمّ تعرضها بسهولة لغزوات القبائل الخارجية الأقلّ تمدناً.
3• قلادة ذهبية من الذهب ومعجون الزجاج من روما:
إنّها قلادة من الذهب المطعّم بالزجاج المعجون والأحجار الكريمة، والتي تعود إلى القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد. وقد وجدت في روما.
والإمبراطورية الرومانية كانت هي البنية الاجتماعية-السياسية الأكثر اتساعاً في الحضارة الغربية على الإطلاق.
وفيما يخصّ روما كمدينة، قد يكون أغسطس هو أكثر من يجب الحديث عنهم باقتضاب. فهو كما تحدّث عن نفسه بنفسه: «لقد أخذت روما كمدينة من طين، وها أنا أغادرها مدينة من الرخام». وقد حكم أغسطس بين عامي 31 للميلاد و14 للميلاد.
وتقول الأسطورة عن تأسيس روما بأنّه تمّ على يد الشقيقين أنصاف الآلهة رومولوس وريموس في 753 قبل الميلاد. وتدعي الأسطورة بأنّ رومولوس قتل ريموس في النزاع من أجل تحديد موضع المدينة، أو النزاع من أجل تحديد من يحكمها. وبعدها أطلق على المدينة اسمه.
لكنّ هناك أسطورة أخرى عن تسمية روما باتت في طيّ النسيان بسبب الاتجاه الذكوري في تخليد أسطورة رومولوس، لكنّ فرجيل في رائعته الإنيادة قد خلّد الأسطورة النسائية. وتقول الأسطورة الأخرى بأنّ المدينة أخذت اسم امرأة تدعى روما، وهي التي سافرت مع إينياس وبقية الناجين من طروادة بعد سقوط المدينة في يد اليونان الهلنستيين. وحين وصل الجميع إلى ضفّة نهر التيبر، اعترضت النساء على الاستمرار في السفر والهرب وقررن البقاء. وفي تمردهن بقيادة روما المرأة، قمن بإحراق السفن الطروادية ليجبروا الجميع على البقاء في المكان الذي أصبح فيما بعد هو روما التي نعرفها. وتصل الأسطورة في بعض الأماكن بين إينياس الطروادي وبين رومولوس وريموس بأنّ تجعله من نسبهما، وتقول بأنّه هو من عمّر المدينة. وهذه الأسطورة قد نالت أهميتها في جعلها روما امتداداً للعالم القديم، وبالتالي وارثة ذات أحقية فيه.
لكن وبعيداً عن الأساطير، فاسم روما قد جاء غالباً من كلمة رومون «Rumon»، وهي الاسم القديم لنهر التيبر التي تقع روما على ضفته. وقد يكون هذا الاسم هو ببساطة اسم مركز تجاري بسيط لمجموعة الإتروسكان الذين سكنوا المنطقة قبل أن تدور الأحداث ويصبح النظام الإقطاعي هو السائد في حقبة روما التي تحولت إلى امبراطورية مهيبة.
هناك الكثير من القلادات والمجوهرات في العالم، لكنّ هذه المجوهرات والحلي منحتنا لنسلّط الضوء بسرعة على هذه الحضارات القديمة وبعضٍ من قصصها. ربّما ليس الذهب والمجوهرات في نهاية المطاف إلّا رمزاً جميلاً بما يحمله من قصص... من يدري، ربّما.