مخاطر العجلة وآفاتها وانعكاساتها على الفرد والمجتمع


الاستعجال في قضاء الأمور وتنفيذ الأعمال والقيام بالمهام المختلفة والواجبات المترتبة هي في حقيقة الأمر آفة اجتماعية تصيب كثير من البشر، ولا يكاد يسلم منها إلا شخص واعي وعلى قدر من الحلم والرزانة والتفكير السليم والعميق.

وربما تكون مقولة (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة) صادقة إلى حد بعيد وتعبر تماما عن جوهر الظاهرة ومضمونها، فالعجلة شر مستطير تترتب عليه في أغلب الأحوال نتائج سلبية جدا وربما كارثية والسبب في ذلك العجلة.

فكم من إنسان قد يركب سيارته على عجل لقضاء أمر قد لا يكون بالغ الأهمية أو لا يستدعي بالضرورة الاستعجال في قضاءه وإنجازه وربما يكون قابل للتأجيل أو على الأقل لا يترتب على عدم تنفيذه بشكل مستعجل أي أضرار خسائر ومع ذلك يستعجل الشخص في قضاءه بشكل كبير من دون أدنى تفكير في العواقب وبسبب تلكم العجلة الزائدة قد يفرط في زيادة سرعة السيارة مما يزيد من فرص تعرضه لحادث يترتب عليه خسارة روح أو إزهاق نفس.

وقد يستعجل الشخص في شراء سلعة ماء كمنزل مثلا أو سيارة أو جهاز إلكتروني وغيره دون أن يحيط بها علما أو يقوم بفحصها أو تجربتها أو سؤال أهل الخبرة والاختصاص عنها وقد يدفعه منظرها البراق الجميل وخصائصها الخارجية المغرية إلى التعجيل بشراءها والحصول عليها ثم يكتشف متأخرا أنها لم تكن كما كان يتوقع منها، وأنها مليئة بالعيوب والثغرات.

ومن أشد أنواع العجلة وأسوأها على الإطلاق هو الاستعجال في الحكم على الناس وإطلاق التهم فيهم وسوء الظن بهم بناء على معلومات قد تكون كاذبة عنهم أو غير دقيقة وتستدعي التمهل والتريث والتبين من حقيقة الأمر، وقد حذر القرآن الكريم من من تلكم الظاهرة المقيتة في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) سورة الحجرات، آية رقم6

فالندم وتأنيب الضمير الداخلي هو ثمرة الاستعجال الأولى تليها الخسارة المادية أو المعنوية التي قد يتكبدها الشخص نتيجة لاتخاذه قرارات مستعجلة غير مدروسة.

ومن مظاهر الاستعجال أيضا العجلة في إنجاز بعض الأمور والقيام ببعض الأعمال ويترتب على تلكم العجلة النقص والخلل والعيب، فقد يستعجل عامل البناء في إنجاز عمل جدران الطوب فيترتب على ذلك خلل في التنفيذ واختلاف في المعايير والمواصفات التي كان بالإمكان الالتزام بها لو أنه قام بعمله على مهل ومشى فيه بتأني وهدوء وربما ترتب على ذلك وقوع الجدار وتهدمه.

وقس على ذلك الكثير من الأمور التي يصادفها الإنسان في حياته اليومية ويعالجها بالعجلة ويتعامل معها بسرعة وطيش دون أدنى تفكير بالعواقب ورغبة منه في التخلص من ذلكم الأمر وإنجازه بأسرع وقت ممكن غير مراعي ولا مبالي لما قد يترتب على ذلك من نتائج سلبية.




كيف تتعامل مع الأمور الطارئة

قد يصادف الإنسان في حياته أمر أو مسألة أو حدث يستدعي التصرف السريع ولا يحتمل التأجيل أو الإبطاء في البت فيه والنظر إليه، وهنا قد يختلف الأمر عن سابقه فالعجلة في هذا المقام أمر محمود وربما كان الاستعجال مفيد في بعض تلكم الحالات، فعند رؤيتك مثلا لشخص مصاب أو تعرض لأذى جسدي فإنه من غير اللائق في هذه الحالة التريث والتفكير بل يجب على الإنسان الإسراع في أخذه إلى أقرب مستشفى لأن أي تأخير أو تباطؤ في ذلك قد ينتج عنه خسارة حياته.

كما أن الإنسان لا يستطيع أن يقف مكتوف الأيدي عند رؤيته لأحد المنازل يحترق مثلا بل يجب عليه الإسراع في عمل ما يمكن عمله للتخفيف أو الحد من انتشار النيران وامتداد ألسنة اللهب، وغير ذلك الكثير من الأمثلة والأحداث التي تصادفنا في حياتنا اليومية وتستدعي منا التصرف السريع.

من هنا يتضح الفرق الكبير بين العجلة في الأمور الطارئة التي قد يترتب على التريث فيها خسارة أو نتائج سلبية وبين العجلة في الأمور العادية القابلة للتأجيل ومن هنا فإن الإنسان يستطيع بسهوله التمييز بين الأمرين والتصرف في كل حاله بما تقتضيه ومن المفيد أن نضع بين يديك بعض التوصيات التي قد تساعدك في التحكم في نفسك بشكل اكبر والتصرف بأكبر قدر من المسئولية في كثير من المسائل.


نصائح وتوصيات للتغلب على ظاهرة العجلة


أولا : أصمت ثم فكر ثم استشر :

عندما يصادفك أمر ما ومسألة مطلوب العمل عليها وإنجازها فإنه من المفيد جدا التفكير مليا في كل جوانبها ومحاولة الإحاطة بكل أبعادها ليتسنى لك بعد ذلك بناء طريقة التنفيذ وفقا للمعلومات التي تم جمعها فتأتي مخرجات التنفيذ سليمة وإيجابية إلى أقصى حد وقد تعجز أحيانا عن جمع قدر كبير من المعلومات عن تلكم المسألة أو المشكلة وهنا يحسن بك استشارة أهل الخبرة ومن سبق لهم التعامل مع مواقف أو أحداث مشابهة لما تواجهه.

ثانيا : لا تدع جوارحك تسبق عقلك

بمعنى أنه يجب عليك في بعض الأمور الطارئة التفكير في الأمر ولو حتى لبضع دقائق أو ثواني قبل الإقدام على تحريك جوارحك نحوه للقيام به، فإذا نجحت في منح عقلك تلكم الثواني المحدودة فإنه يفسح المجال أمامك للتحليل والنظر للأمر بعمق واستخلاص النتائج المحتملة ثم بعد ذلك يصدر الأوامر للجسد والجوارح لتنفيذه إذا كان مخرج التحليل إيجابي أو يصدر أوامره للجوارح بالكف عندما يكون المخرج التحليلي سلبي وبهذا يسلم الإنسان من عواقب بعض أفعاله.

ومثال على ذلك في حال صادفت شخص عالق أو على وشك السقوط فإن ردة فعلك التلقائية والعفوية والتي لا يصحبها أدنى تفكير أو نظر فإنها قد تزيد الطين بله وقد تتسبب في تغيير وضع الشخص الذي كان آمن نسبيا قبل أن تتدخل فتعجل بسقوطه أو تسبب له أذى بالغ كان بالإمكان تجنبه في حال سمحت لعقلك بإدارة الأمور لبضع ثواني فقط نيابة عن جوارحك.


ثالثا : حاول مراعاة التوقيت والظروف

قد يستعجل الشخص في إنجاز أمر ماء أو تنفيذ عمل رغم أن ذلكم العمل قابل للتأجيل، فمثلا قد يقوم الشخص بالسفر في ظلام الليل ويكون تنفيذ ذلك على حساب ساعات نومه وراحته التي كان من المفترض أن يلتزم بها ثم يغادر صباحا في ضوء النهار وهو بكامل قوته ونشاطه.

وقد يقوم الشخص بإنجاز عمل ما تحت وابل من المطر والعواصف أو في الأجواء شديدة الحرارة رغم أنها غير مستعجلة وقابله للتأجيل وبإمكانه إنجازها في أجواء أفضل، ومنا هنا يتضح أهمية أخذ عامل التوقيت بعين الاعتبار ومراعاة الظروف في إنجاز الكثير من الأعمال القابلة للتأجيل والتي فيها سعة لأن القيام بذلك سيسهم في إنجازها على أكمل وجه وبشكل سليم وأفضل مما لو أنجزت في توقيت وظروف غير ملائمين.


أخيرا وليس آخرا .. دع عنك العجلة فإنها مؤذية وتحل بالصبر والتأني وليكن عندك بعد نظر وتفكير عميق وتحليل سليم قبل الإقدام على عمل أي شيء أو الشروع في تنفيذ أي أمر، فإن كان ذلكم الأمر طارئا فتعامل معه بحكمه واقتدار وإن كان قابل للتأجيل فراع في تنفيذه سلامة التوقيت ومناسبة الظروف وبذلك تكون قد انتصرت على نفسك واستجمعت شتات أمرك وظفرت بما عجز غيرك عن الظفر به.




  • Share

    • 2687
    • 8,236