ميكانيكا الكم هي علم حديث نسبيا وصغير في الحجم نسبة إلى العلوم الأخرى الراسخة والتي قتلت بحثا ولكنها على الرغم من حداثتها النسبية فقد جعلتنا نسأل أسئلة عديدة تتعلق بفلسفة الوجود والكثير من الحقائق المسلم بها منطقيا. يهتم علم ميكانيكا الكم بدراسة الأحداث فيزيائيا على مستوى آخر غير المستوى المنظور للانسان مثل المستوى الجزيئي متناهي الصغر والكون الشاسع بمجراته وثقوبه السوداء. هذا المقال لا يعنى بالدراسة النظرية المعقدة لميكانيكا الكم بقدر ما يعنى بالأسئلة الفلسفية والوجودية التي طرحتها تلك النظرية والتي لا تزال إجاباتها حائرة إلى الآن.
كان السبب الرئيسي في ظهور ميكانيكا الكم كعلم هو الفشل الذي لاقته الفيزياء العادية في تفسير العديد من الظواهر على المستوى الذري أو الجسيمي أو حتى على مستوى الكون الأكبر باتساعه الشاسع وأجرامه المرعبة فائقة الضخامة مثل الثقوب السوداء والنجوم الكبرى (السوبر نوفا) والمجرات التي لا حصر لها.
بدأت ميكانيكا الكم في الظهور كعلم جاد في بدايات القرن العشرين لمحاولة الاجابة على العديد من الأسئلة المتعلقة بالذرات والجسيمات الدقيقة مثل الفوتون والالكترون حيث تزامنت ظهورا مع النظرية النسبية الأولى لأينشتاين. لا يمكن نسب ميكانيكا الكم لعالم واحد ولكن جهود العديد من العلماء تضافرت لإنشاء هذا العلم لمحاولة دراسة أي رابط فيزيائي أو نظرية يمكنها الاجابة عن ماذا يحدث على مستوى الجزيئات وماذا يحدث عند مستويات السرعة الفائقة للجزيئات متناهية الصغر. حتى هنا يبدو الكلام مملا ولكن انظر إلى الحقائق التالية والتي أكدت عليها ميكانيكا الكم.
كما قلنا سابقا فقد أثبتت ميكانيكا الكم حدوث بعض الظواهر الغريبة والتي لا يمكن للمنطق الطبيعي تفسيرها سنورد بعضا منها فيما يلي بدون الدخول في تفاصيل علمية معقدة.
بالطبع ستكون إجابتك هي لا (إلا إذا كنت على دراية بفنون السحر بالتأكيد) ولكن ميكانيكا الكم تتفوق حتى على السحر فالإجابة هي نعم!. تقول النظرية أنك إذا حاولت تمرير أحد الفوتونات (جسيمات الضوء) من خلال قطعة عازلة تحوي تقبين فسيقول المنطق أن الفوتون سيمر في إحدى الثقبين ولكن أثناء دراسة هذه الظاهرة فقد وجد أن الفوتون يمكنه المرور في كلا الثقبين في آن واحد. لقد مر من هنا ومن هنا أيضا أي أن الفوتون تواجد في نفس المكان والزمان في آن واحد ثم عاد إلى طبيعته الواحدة بعد مروره من الثقبين. ولكن لا تأخذك الحماسة فهذه النظرية قابلة للتطبيق فقط على الجسيمات ذات الحجم فائق الصغر والتي بالكاد يمكن التقاطها بواسطة المجسات الكهروضوئية.
بالتأكيد لا يرغب أحدنا أن يكون ميتا في مكان ما حتى لو احتفظ بحياته هنا ولكن ميكانيكا الكم وطبقا لمبدأ عدم اليقين تقول أن هذه الفرضية ممكنة. إحدى الفرضيات الأكثر غرابة في العالم هي فرضية العالم شرودنجر والتي أسماها (قطة شرودنجر). قام العالم بإلقاء محاضرة وألقى هذه الفرضية. إذا قمت بحبس قطة صغيرة في صندوق مغلق مع وجود مادة اسعاعية متحللة تتحكم في مفتاح ما، هذا المفتاح بدوره يتحكم في حاوية زجاجية تحوي نوعا من السموم. في حال انغلاق المفتاح والذي يتحكم فيه الاشعاع الراديوي سيتم اطلاق السم وتموت القطة في الحال. ولكن على الجانب الآخر فإن احتمالية تحلل هذه المادة هي نسبة 50% فقط. لذلك ستكون القطة حية وميتة في نفس الوقت إلا إذا فتح شخص ما الصندوق.
نتجت فرضية شرودنجر من مبدأ عدم اليقين في ميكانيكا الكم والذي يقول ببساطة أن الأجسام فائقة الدقة مثل الالكترونات لا يمكن التأكد من جودها إلا إذا تم النظر إليها. وهذه ما سنناقشه في السؤال التالي.
طبقا لميكانيكا الكم عندما تحاول رصد الالكترون في مداره حول الذرات سيتحول للحالة الجسيمية ويمكنك رصده عدا ذلك فالالكترون غير موجود!. نعم فالجسيمات فائقة الصغر مثل الالكترونات تكون في حالة موجية ولا يمكن أن تتواجد فيزيائيا إلا عن رصدها. وهذا يؤدي للسؤال الأكثر غرابة: هل أنت حقا موجود؟ ماذا إذا لم ينظر إليك أحد؟ لا عليك فكما قلنا كل هذه الأحداث لا تحدث إلا على مستوى الجسيمات فائقة الصغر.
طبقا لميكانيكا الكم إذا تم فصل جسيمين من الالكترونات المتناظرة والمختلفة في اتجاه الدوران من إحدى الذرات فإن هذان الالكترونات يظلان مرتبطان للأبد. للايضاح لنفتض أن أحد الالكترونين موجود في الصين والآخر في أمريكا فإذا تم التأثير على إحدى الالكترونين بعكس اتجاه دورانه فإن الالكترون الآخر في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية سيغير اتجاه دورانه أيضا بغض النظر عن المسافة. حتى إذا كان كل من الالكترونين على طرف من الكون الشاسع فسيمكنه التأثير في الالكترون الآخر بدون اعتبار للمسافة ولا الزمن. تخيل أن هناك نسخة أخرى منك في الطرف السحيق من الكون تؤثر في أفعالك!
وفي النهاية كما قلنا سابقا فهذا المقال لطرح الأسئلة ليس أكثر وللشرح المستفيض عن هذه النظرية المذهلة يمكنك القراءة عنها إذا كنت من المهتمين بغرائب الفيزياء. إذا أعجبك المقال شاركه مع أصدقائك