نصائح لكتابة جيدة من كتاب اللغز وراء السطور لدكتور أحمد خالد توفيق

نصائح لكتابة جيدة من كتاب اللغز وراء السطور لدكتور أحمد خالد توفيق

يحتل دكتور أحمد خالد توفيق دوما مكانة عالية في سوق الكتاب المعاصرين وتتصدر كتبه أعلى المبيعات. لا يخفي على أي من متابعي دكتور أحمد خالد توفيق نزعته الساخرة وتواضعه الشديد وبساطة أسلوبه وتلقائيته بالاضافة لتعدد مواهبه الكتابية وغزارة نشاطه الأدبي. تربى معظم أبناء الجيل الحالي على روايات الجيب لدكتور أحمد حيث دأب على اصدار العديد من السلاسل الروائية المطبوعة منذ سنين عديدة حتى اتجه مؤخرا لكتابة العديد من الكتب بعضها روائي والبعض الآخر تثقيفي ومنها هذا الكتاب الذي أصدره مؤخرا في طبعة عن دار الشروق. يتميز الكتاب بغلاف بسيط مواكب لبساطة أسلوب دكتور أحمد وابتعاده عن التكلف والتقعر عن طريق استعمال مفردات لغوية بسيطة تناسب شريحة عريضة من القراء حيث يمكننا اعتبار الكتاب مناسبا لأي مرحلة من مراحل تطورك ككاتب حتى إن كنت على وشك البدء في الجهر بموهبتك الأدبية أو لو كنت أحد الكتاب المتمرسين. بالتأكيد ستجد ما يفيدك في هذا الكتاب.

يقدم لنا دكتور أحمد خالد توفيق في كتابه (اللغز وراء السطور) العديد من النصائح الأدبية التي لا تتخذ شكل النصيحة التقليدي حيث يحكي لنا دكتور أحمد العديد من المواقف التي واجهته وواجهت الكثير من الكتاب أثناء الكتابة. يحفل الكتاب بالعديد من الأفكار و العقد والمشاكل التي قد تواجه أي كاتب في حياته الأدبية وستصاب بالدهشة عزيزي القارئ اذا كنت من هواة الكتابة أثناء قراءتك لهذا الكتاب حيث ستصادف بالتأكيد العديد والعديد من المواقف التي قد تتعرض لها شخصيا مثل نفاد الأفكار و نفاد الابداع والحيرة التي قد تواجهك عند اختيارك لأسماء أبطال الرواية بالاضافة لعقدة الكاتب الشهيرة والعديد من المواقف الأخرى. يعتبر دكتور أحمد الكتاب إجابة على العديد من الأسئلة التي وردته من متابعيه حول السؤال الملح الذي يتكرر عليه دائما: كيف أكون كاتبا جيدا ، وتكون إجابة دكتور أحمد بكل بساطة: لا أعلم ولكن يمكنني أن أسرد لك بعض المواقف علها قد تفيدك مستقبلا. سنسرد لكم في هذا المقال بعضا مما جاء في الكتاب بدون إطالة.


العمل المدمر:

بعض الأعمال الأدبية مدمرة للكاتب بسبب روعتها الشديدة، هكذا يبدأ دكتور أحمد كتابه حيث يسرد قصة طريفة ألفها الأديب الأمريكي (فرانك ستوكتون) عن كاتب متوسط الحال يقوم بارسال قصص قصيرة لاحدى الجرائد لتقوم بنشرها. تقع المشكلة عندما يقوم هذا الكاتب بتأليف قصة قصيرة فائقة الروعة تعجب القراء كثيرا وتدر عليه الكثير من الربح. الآن حانت لحظة الحقيقة حيث يحاول هذا الكاتب كتابة قصص أخرى و إرسالها إلى الجريدة لتقوم بنشرها فترفض الجريدة بحجة أن قصصه الجديدة ليست على مستوى جودة قصته المشهورة وأن القراء لا يتوقعون أقل من قصته الشهيرة. هكذا يصاب الكاتب بالاحباط والافلاس وتؤدي قصته الرائعة لافلاسه و دمار مهنته الأدبية. بعض الأعمال الأدبية مدمرة لذا عليك توخي الحذر والتحصن نفسيا من عواقب الفشل و محاولة دراسة نفسية القارئ. لا توجد وصفة محددة للنجاح أو الفشل، قد يأتيك الالهام و قد لا يأتي و قد يأتي مرة في العمر، ولكن هذه ليست المشكلة الوحيدة لنتابع معا.


التقمص:

يجب على الكاتب الجيد أن يجيد التقمص وخداع القارئ. لا نعني بالخداع هنا المعنى السيء للخداع ولكن على الأقل يجب أن تكون مقنعا. لا يمكنك أن تكتب عن المجرم والبلطجي وربة المنزل والجدة العجوز دون أن تتقمص شخصياتهم بداخلك بطريقة مرضية بحيث تنفصل عن شخصيتك الأصلية وتستطيع مخاطبة القارئ بمحتوى و أسلوب مرضي له على الأقل لتقنعه بشخصيات روايتك. كذلك لا يمكنك أن تكتب رواية تقع أحداثها في باريس أو نيويورك أو معابد رهبان التبت بدون أن تكون لديك المعرفة الكافية للكتابة عن هذه الأماكن. يمكنك البحث في الانترنت على الأقل عن أماكن وشخصيات حقيقية والقراءة جيدا لتحاول اقناع القارئ بمكان وشخصيات الرواية.


سدة الكتاب:

يعاني الكثير من الكتاب من فقدان الالهام في لحظة ما وتوقف التفكير الأدبي و الابداع وتعتبر هذه القضية شهيرة للغاية بين أعتى الكتاب و أكثرهم موهبة مثل ستيفن كينج و إرنست هيومنجواي. يوجه لنا هيومنجواي نصيحة بسيطة وهي أن تكتب كل ما يأتيك من إلهام وخواطر في أي وقت في قصاصات ورقية يمكنك الرجوع إليها في أي وقت بحثا عن إلهام سابق. كذلك يجب عليك التغلب على عقدة الناقد في داخلك حيث يقسو البعض على نفسه بشدة في نقد أعمالهم الأدبية الخاصة فلا ترى النور. كما يتساهل البعض الآخر بشدة مما يؤدي لأعمال أدبية رديئة تملأ صفوف المكتبات. أعتقد أن معظم الكتاب الشباب في العالم العربي من النصف الثاني (المتساهلون) مما أدى لانتاج أدبي كثير ولكنه غث وغير جدير بالذكر ولا القراءة.


الأسماء:

مشكلة كبيرة أخرى للكتاب هي اختيار أسماء شخصياتهم وكما قلنا سابقا، لا يمكنك الكتابة عن ضخصية فرنسية أو روسية بدون استعمال أسماء لائقة. يمكنك أيضا البحث على الانترنت عن أسماء روسية مثلا أو جنوب إفريقية ولكن احذر فبعض الأسماء قد لا تكون أسماء أو تكون صفات لا تصلح كاسم شخصية. هناك أيضا مشكلة الأسماء المحلية، بعض الأسماء لا تصلح لبعض الأماكن والشخصيات. يجب أن تراعي الخلفية الثقافية و الاجتماعية للشخصية حتى تختار اسما مناسبا. ما يصلح لاسم ظابط شرطة ربما لا يصلح أن يكون اسم عامل بناء مع احترامنا لجميع عمال البناء.


القصة القصيرة:

القصة القصيرة ليست بذات السهولة التي تبدو عليها كما أنها لا يجب أن تكون قصيرة بالتبعية. بعض القصص القصيرة تقع في ثلاثة أو خمسة صفحات و البعض الآخر قد يقع في مائة صفحة. يعود الكاتب لكتاب (فن القصة القصيرة) للدكتور رشاد رشدي حيث يبين تشريح وتحليل القصة القصيرة. في البداية يجب أن تقص القصة القصيرة خبرا و يجب أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية حتى إن كانت نهاية مفتوحة. يجب كذلك أن يكون للقصة القصيرة معنى ترمي إليه (نقطة التنوير). هناك مزية أخرى في القصة القصيرة وهي أنه لا يجب أن تكون قابلة للتلخيث بأي حال وهذا هو الفارق الجوهي بينها وبين القصة الطويلة. القصة القصيرة الجيدة يجب أن تكون عصية على الاختصار و التلخيص حيث يجب أن تكون محكمة إحكاما تاما في الألفاظ و الأحداث. هناك بالطبع بعض الشذوذ حيث ذكر الكاتب بضع أمثلة لقصص قصيرة مفككة لسومرست موم ولكن تبقى القاعدة الأساسية كما هي.


الكتابة للأطفال:

الكتابة للطفل هي أصعب ما يكون كما يذكرنا الكاتب أن بعض قصص الأطفال قد تم تصميمها ونحتها لتفوز بمسابقة ما ولكن الكتابة الحقيقية للطفل هي شأن آخر. هناك فارق كبير بين ما يكتب للطفل و ما يكتب ليعجب النقاد كأدب للطفل بالاضافة إلى أن أدب الطفل قد يحتوي العديد من الشخصيات الكرتونية والرسوم المصورة. أغاني الأطفال كذلك يجب أن تصل لقلب الطفل بأقصر الطرق وبتعبيرات رنانة مميزة. 


الأدب البوليسي والخيال العلمي:

تم إهمال أدب القصص البوليسية والخيال العلمي بشدة في العالم العربي ونعيب في هذا على المثقفين أنفسهم الذين ينظر معظمهم لأدب الخيال العلمي و القصص البوليسية بنظرة استعلاء. لا تخجل من موهبتك إذا امتلكت ملكة الخيال العلمي أو الخوض في أحداث بوليسية معقدة على طريقة من الجاني أو من فعلها أو حتى لماذا فعلها. عليك التذكر دوما أن أكثر الكتب مبيعا و أقربها لقلوب القارئ البسيط هي القصة البوليسية و الخيال العلمي ولنا في أجاثا كريستي عبرة.


المتحذلقون و الغلاة:

أسوأ شيء في الأدب هو التحذلق و الغلو و التعالي. يجب على الكاتب أن يبني جمهورا له و أن يكون هذا الجمهور غير موجه. مثال على هذا الكثير من الكتاب المغمورين و الذين لا يقرأ لهم أحد غير أصدقائهم من الكتاب المغمورين الآخرين. هناك دائرة مغلقة على قاطنيها من المتحذلقين و الغلاة، لا يعني هؤلاء بالعالم الخارجي و رأي القارئ البسيط و هناك دائما متلازمة الغرور و جنون الارتياب. إبتعد عن هؤلاء فورا وليكن جمهورك هو القارئ البسيط. إذا فشل الأدب في الوصول لأبسط القراء فقد فشل أن يكون أدبا من الأساس. ولكن هذا لا يعني التبسط لدرجة الاسفاف فهناك رسالة للكاتب وهي أن يرتقي بالقارئ و إلا سقطا سويا.


الجنس و الدين و أشياء أخرى:

لا داعي لحشو جنسي مرهق ولا لتحدي الأديان واحتقارها حتى تفوز بقلب القارئ. ربما تفوز باحتقاره أيضا. يجب على الكاتب أن يتعامل مع المحظورات بحذر شديد و ألا يسعى وراء الشهرة السريعة عن طريق تحدي الثوابت و استثارة غرائز القارئ. هل سمعت بأن كل دعاية هي دعاية جيدة؟ ليس دائما. هل قرأت أي أعمال أخرى لسلمان رشدي بعد الآيات الشيطانية لو قرأتها من الأصل وهل سمعت عن حيدر حيدر بعد وليمة لأعشاب البحر؟. الكاتب الجيد هو الكاتب الجيد بالأساس وكل كاتب يمر بمراحل عديدة من الاحباط والاخفاق والنجاح. لا داعي لاستعجال الشهرة بأعمال رديئة لا تحمل أي مضمون وتسيء للكثيرين.


الأدب الأنثوي:

يخبرنا دكتور أحمد بكل بساطة بأنه لا يوجد هناك ما يسمى أدبا أنثويا. الأدب هو الأدب سواء من كتبه رجل أو امرأة، رضى عاشور و أجاثا كريستي و جراتسيا ديليدا كلهن نساء أجدن الأدب. أما ما يحدث عندنا في العالم العربي من وجود كاتبة تكتب في احتقار الرجل و مشاعرها الجنسية المكبوتة فلا يوجد هذا المثال سوى في العالم العربي. إذا أرادت المرأة أن تكتب فعليها أن تنسى كونها امرأة بالأساس وتنفتح على العالم كله لتكتب أدبا جيدا.


لا تنبش بعمق:

باختصار يوجه لنا الكاتب نصيحة بأن لا ننبش بعمق. لا تنبش بعمق في معاني الكلمات و ابداء أوصاف معقدة. أحيانا ينقلب السحر على الساحر ويفقد القارئ و الكاتب المعنى الأساسي للكلام أو أن يصاب القارئ بالملل الشديد و الاجهاد العقلي. تبسط في أسلوبك مع إبداء بعض المعاني الجمالية فلا ضير في ذلك ولكن لا تنبش بعمق.


الشمعة و الأكسجين:

يتحدث الكاتب عن احتراق الموهبة بسرعة. إذا اشتعلت الشمعة سريعا فستخبو سريعا. قل من أوتي الموهبة في سن مبكرة مثل (أبي القاسم الشابي) الذي مات عن سن 25 عاما تاركا وراءه إرثا ثقافيا عظيما. يرى دكتور أحمد ببساطة أن هناك حد لاحتراق الشمعة و الكلام موجه لكل أب رأى الموهبة في ابنه وكل من أصابه داء العبقرية مبكرا. لا تقسو على نفسك أو على ابنك و دع موهبتك ترى النور بهدوء حتى لا تحترق مبكرا.


نقد النقد:

كل كاتب جيد هو ناقد سيء والعكس. لا تعول كثرا على سهام النقد الطائشة ودع موهبتك تسري كما أراد لها الله مع الزمن و اعمل على بناء منحنى مرضي للتعلم حتى تترقى موهبتك لتصير كاتبا جيدا. بعض النقاد قسو كثيرا على الكتاب مما أدى لاندحار مواهب لم يكتب لها أن ترى النور ولكن عليك أيضا التحلي ببعض الشجاعة لتغيير أفكارك و طريقتك في الكتابة و تحسين أسلوبك وليكن هدفك أولا و أخيرا جمهورك و القارئ البسيط الذي يستطيع فهم ما كتبت ويعجب به.


و في النهاية نرجو أن لا نكون قد أخللنا بمضمون الكتاب الجميل والذي ندعو كل القراء لقراءته حيث يملك الكثير من المتعة الأدبية التي عودنا عليها دكتور أحمد خالد توفيق وسيجد القارئ الكريم الكثير من الأمثلة و الايضاحات والشروح لطرق الكتابة السليمة من داخل و خارج مطبخ الكتابة باسلوب بسيط ومشوق كما عودنا دكتور أحمد ويمكنكم زيارة رابط الكتاب على جوجل بوكس من هذا الرابط



  • Share

    • 5348
    • 6,097