ابنة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم. زوًجها الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم. ولم يزوجها أبوها أو أخوها أو أهلها. نالت بذلك شرفًا عظيمًا ومكانة في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زوًج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة عمته زينب بنت جحش لمولى عنده يسمى زيدًا بن حارثة. وكان زيد عبدًا أهدته السيدة خديجة رضي الله عنها لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وكان زيد أول من أسلم بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقد ظهر والد زيد بن حارثة يومًا ليسترد ابنه زيد، ولكن رفض زيد أن يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار العبودية بدلاً من أبيه وأمه؛ لأنه كان يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يريد أن يفارقه.
عندما بلغ زيد سن الزواج اختار له الرسول صلى الله عليه وسلم "زينب بنت جحش" بنت عمته "أميمة بنت عبد المطلب". وكرهت زينب أن تتزوج مولى من الموالي وهي الشريفة القرشية. ولكن حدثها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكان زيد منه ودوره في الإسلام وعن أصل نسبه في العرب. ونزل في ذلك قول الله عز وجل: بسم الله الرحمن الرحيم "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا". ومن ثم تزوجت زينب زيدًا. وتحقق مراد الرسول صلى الله عليه وسلم من تحطيم الفوارق الطبقية في الإسلام.
إكراه الفتيات على الزواج له عواقب وخيمة ونرى ذلك في قصة زواج السيدة زينب بنت جحش من زيد بن حارثة
لكن لم تستقر حياة الزوجين. لم تنس زينب قط أنها الشريفة وأنها ليست من الرقيق. وعانى زيد من صدها وإبائها. وشكى ما يلقى من سوء معاملة السيدة زينب بنت جحش للرسول صلى الله عليه وسلم. وطلب الرسول منه الصبر والاحتمال، وقال له:"أمسك عليك زوجك وأتق الله..". وصبر زيد، ولكنه كابد الكثير من الشقاء. وهجرته زينب إلى أن نفد صبره وفقد احتماله ففارقها وطلقها. وكان لزواج السيدة زينب من زيد حكمة يعلمها الله ولطلاقها منه حكمة يعلمها الله أيضًا؛ فبزواجها من زيد تحقق إلغاء الفوارق الطبقية في الإسلام وبطلاقها منه تعلمنا عدم إكراه الفتيات على الزواج. كان للسيدة زينب بذلك دور كبير في الإسلام. ويمكن أن تتزوج الفتاة في الإسلام رجلاً من غير طبقتها على أن تكون راغبة في الزواج منه. ويقول رسول الله صلى الله علية وسلم في اختيار الزوج: " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" رواه الترمذي وغيره.
أحس الرسول صلى الله عليه وسلم عطفًا على الشابة التي أُكرهت على الزواج تنفيذا لأمر الله ورسوله. وحدثته نفسه أن يتزوجها. ولكن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعلن زيدًا ابنًا له أمام العامة قبل تحريم التبني في سورة الأحزاب. وكانوا آنذاك ينسبوا المتبني لأبيه ويجعلوا له حقوق الابن وحرمة النسب. ولكن نزلت الآيات في سورة الأحزاب التي تزوج زينب للرسول صلى الله عليه وسلم وتحرم التبني:" وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37) مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا(39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا "
عندما علمت السيدة زينب بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتزوجها صلًت لربها شكرًا وامتنانًا. كانت الزوجة التي جاءت بعد السيدة أم سلمة رضي الله عنها. وذبح الرسول صلى الله عليه وسلم شاة في العرس. وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم مولاه "أنس بن مالك" أن يدعو الناس إلى الوليمة. جاءت أفواج إلى الوليمة. يأكل فوج ويخرج آخر. ولكن مكث بعض المدعوين بعد أن فرغوا من الطعام يتحدثون. وقام الرسول حتى ينفض المجلس فانصرف القوم إلا ثلاثة أشخاص مكثوا حيث هم. ومنعه حياؤه أن يصرفهم. وعندما انصرفوا دخل الرسول صلى الله عليه وسلم حجرة زوجته وأسدل ستر بينه وبين مولاه أنس بن مالك ونزلت الآية من سورة الأحزاب التي تحث على حرمة البيوت وعلى آداب الزيارة وعلى حجاب المرأة: بسم الله الرحمن الرحيم" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا" صدق الله العظيم
كانت السيدة زينب تقية صادقة الحديث. كانت تصل رحمها وتتصدق على المساكين. كانت شديدة التقرب إلى الله. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وصفها أنها أوًاهة؛ أي خاشعة متضرعة. توفت السيدة زينب بنت جحش سنة عشرين وهي في الثالثة والخمسين من عمرها.