هذا السؤال يراود كثير من الآباء والأمهات والمهتمين بالشأن التربوي خصوصا في وقتنا المعاصر فمنهم من يعتقد بأن الضرب أسلوب قديم وغيرمجدي ويتنافى مع أبسط حقوق الطفل وربما تترتب عليه آثار عكسية تزيد من التمرد والجنوح لدى الأطفال.
وهناك اتجاه آخر يرى بأن الضرب هو الأسلوب الأمثل في التعامل مع الطفل عندما تقف بقية الأساليب عاجزة عن تحقيق المراد في تقويم سلوكهم كأسلوب النصح والإرشاد والتوجيه.
ومن هنا نستطيع القول ومن خلال إلقاء نظرة فاحصة وبسيطة للواقع التربوي في زماننا المعاصر وبناء على المعطيات والشواهد المرتبطة بهذه الظاهرة فإننا قد نخلص إلى نتيجة مفادها أنه لا يمكننا تغليب أسلوب تربوي على أسلوب آخر، ولا نستطيع إقصاء بعض الطرق والأدوات التربوية عن المشهد والتي أثبتت فاعليتها في تحقيق المراد منها منذ القدم.
وعليه فإن المزج بين أساليب التربية المختلفة قد يكون هو المنهج المثالي والفعّال الذي يجب على الآباء والأمهات تطبيقه في تعاملهم مع الأطفال، ومن هنا نستطيع وضع بعض النقاط الأساسية التي تحدد طبيعة هذا المنهج وطريقة تنفيذه على الواقع بما يضمن تحقيق أفضل النتائج بأقل التكاليف الممكنة.
على الآباء والأمهات أن يأخذوا بعين الاعتبار الالتزام بمبدأ الثواب والعقاب في تعاملهم مع أطفالهم وأن يقوموا بتصنيف سلوكهم وتصرفاتهم بناء على ذلك المبدأ فإن أحسنوا في أمر فالواجب إظهار ثمرة إحسانهم وذلك بالمدح والثناء عليهم وتقبيلهم والمبالغة في ذلك أو حتى بمكافأة عينية فإن كل ذلك يسهم في تعزيز وغرس تلكم الفضيلة أو العمل الإيجابي الذي قاموا به ويترسخ لديهم مبدأ أن العمل الطيب ثمرته طيبة، وعلى العكس من ذلك فإن أساء الطفل عن قد قصد وإصرار كأن مارس الكذب أو تلفظ بألفاظ نابية أو أرتكب عمل عدواني أو قام بتخريب بعض الأشياء عن وعي وإدراك منه بخطأ ذلك التصرف فإنه من المفيد جدا التعامل السريع مع تلك الظاهرة وعدم تأجيلها كي يدرك الطفل سريعا خطأ ما قام به ويفهم سوء ما اقترفت يداه، وهنا يجب أن نتعامل مع الخطأ بأسلوب حكيم يضمن وصول الرسالة إلى الطفل وأيضا نتجنب ردود الفعل التلقائية والسريعة والتي قد تسبب حدوث أذى نفسي أو جسدي للطفل يساهم في تعقيد المسألة وضياع الهدف المرجو منها.
الصنف الأول: نهج المبالغة الشديدة في ردة الفعل
يتميز الكثير من الآباء والأمهات بغلظة في طباعهم وجلافة في سلوكهم يغضبون لأتفه الأسباب ويفقدون السيطرة عند أبسط الأمور ويكون تعاملهم مع الطفل عنيف لحد بعيد قد يترتب عليه أذى نفسي كالمبالغة الشديدة في الشتيمة واللعن والسباب ورفع الصوت أو يترتب عليه أذى جسدي كالضرب المبرح، ومعي تكرار هذا الأسلوب بشكل يومي أو شبه يومي فقد يؤدي في نهاية المطاف إلى إصابة الطفل بنوع من الخوف من والديه وتبدأ الحواجز بينه وبينهم تزداد فيصبح تعامل الطفل مع والديه تعاملاً رسمياً بحتاً، يقتصر على إجابة الأسئلة والاستفسارات التي يطرحونها ويتولد لدى الطفل نتيجة لذلك ميول إلى العزلة والانطواء وعدم التفاعل في المحيط الأسري أو المشاركة فيه.
الصنف الثاني: نهج اللامبالاة الشديدة في ردة الفعل
وهذا النوع من الآباء والأمهات هو معاكس تماما للنوع الأول، فلا يكادون يكترثون أو يلتفتون لأي شيء يصدر عن الطفل سلبا أم إيجابا، وتقتصر رعايتهم لأطفالهم على الجوانب المادية البحتة من مأكل ومشرب وملبس وغيرها، فإن أحسن الطفل أو أساء فالمسألة سواء بالنسبة للوالدين، وربما يدفعهم لهذا السلوك الانشغال الدائم أو التسويف والإدعاء بان الطفل ما زال صغيرا وعندما يكبر نستطيع أن نلتفت لبعض الأمور التربوية الأخرى.
الصنف الثالث: نهج تشجيع الطفل على أخطاءه
ينتهج بعض الآباء والأمهات أسلوب خطير في تربية أبناءهم بغير قصد طبعا ويقومون بتشجيعهم على ارتكاب الأخطاء من حيث لا يدرون، فنحن هنا لا نتهم الأبوين في نياتهم بل المقصود أن هذا الأسلوب يصدر عن الأبوين بشكل عفوي ولكنه يساهم بطريقة أو بأخرى على تشجيع الطفل لارتكاب المزيد من الأخطاء والمخالفات رغم أن الأب والأم لا يقصدون ذلك أبدا، فأحيانا يحدث أن يتلفظ الطفل بألفاظ نابية فترى الأب والأم يغرقون في الضحك من طريقة تلفظه بها وقد يشتبك الطفل مع طفل آخر في مشاجرة يدوية فيصرع أحدهم الآخر وربما يؤذيه فيعجب الوالدين بما صنع طفلهم ومع تكرار تلك الأفعال يترسخ لدى الطفل مفهوم أن ما يقوم به من عمل يؤدي إل إرضاء الوالدين وسرورهم فيظن انه على صواب فيما يفعل فيتمادى ويزداد عنفا وتمردا يوما بعد يوم حتى يصبح طفل جامح ومتنمّر ومؤذي للآخرين.
الصنف الرابع: نهج لا إفراط ولا تفريط
يتميز بعض الآباء والأمهات بقدر كبير من الوعي والشعور بالمسئولية تجاه أطفالهم، وهؤلاء هم من يمسكون بالعصا من المنتصف في هذا المجال فلا يفرطون في تربية أبناءهم وإحسانها ولا يبالغون في ذلك إلى حد التطرف.
فعندما يخطئ الطفل ينال العقاب الذي يستحقه (ولو بأسلوب الضرب الغير مؤذي) والذي يكون سبب في ردعه أولا ثم إظهار خطأ ما فعل، وإن أحسن في عمل ما فينال مكافأته أيضا بشقيها المادي والمعنوي فيثنى عليه ويظهر الأبوين الإعجاب الشديد بما صنع فيكبر ذلكم العمل أو السلوك في نفس الطفل ويعظم ويتراكم مع مرور الوقت ليثمر في الأخير الاستقامة في السلوك والنضج في التصرفات والسمو في الأخلاق.
تنويه ..
قد يختلف الكثير معي حول استخدام أسلوب (الضرب) أو بمعنى أدق استخدام العصا في التعامل مع الأطفال وقد يظن البعض أنني هنا أُشرّع له وأبرر القيام به، وأنا بالفعل كذلك ولكن في حدود لا يجب تجاوزها ووفق ضوابط وقوانين لا ينبغي القفز عليها، ولنكن واقعيين في هذه المسألة ولننظر إليها بعين محايدة بعيدا عن المزايدات والمغالطات، فعندما ترى طفلك يقوم بالتخريب بشكل متعمد ومستفز أو يسيء الأدب في حضرة الكبار فلا أعتقد في تلك اللحظة أن مسألة حقوق الطفل التي نسمع عنها كثيرا في وسائل الإعلام ستراودك أو تمر بخاطرك، بل العصا من سيفعل ذلك وسيستحوذ على كل تفكيرك فهو الأسلوب الطبيعي في كثير من الحالات.
ولكن عندما تجد نفسك مضطرا إلى استخدام أسلوب الضرب مع طفلك فعليك مراعاة الأمور التالية:
أولا: لا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام أسلوب الضرب مع الأطفال ممن هم دون سن الخامسة، فهؤلاء ما زالوا في مرحلة الطفولة المبكرة ولم يصلوا بعد إلى مرحلة التمييز الفعلي بين الخطأ والصواب وعليه فإن استخدام أسلوب الضرب مع هذه الفئة العمرية غير مجدي على الإطلاق.
ثانيا: يجب أن يكون النصح والإرشاد والتوجيه من قبل الوالدين هو الأداة الأولى والأسلوب الرئيس في التعامل مع جنوح طفلك أو عند ارتكابه لبعض الأخطاء، ولا يليق بالأب أو الأم إغفال أو تجاوز هذا الأمر أبدا أو القفز إلى أسلوب الضرب قبل استخدامه وإعطاءه حقه.
ثالثا: في حال لم تجد الكلمة نفعاَ ولم تترك التأثير المنشود والمتوقع منها في تقويم سلوك الطفل فهنا يمكنك استخدام (عصا التوجيه) لا (عصا الانتقام والتعذيب) والفرق بين العصوان شاسع والبون بينهما واسع فالأولى عصا زجر وتربية يصحبها بيان وتوضيح من قبيل لِمَ تم استخدامها؟ وما هي الأسباب التي دفعتنا لتوجيهها ضدك؟، فيعي الطفل سريعا خطأ ما فعل وسوء ما اقترف فلا يعاود تكراره مرة أخرى، بينما الأخرى عصا تعذيب وانتقام الغرض منها التشفي وأخذ الثأر من الطفل البريء، وهنا يجب على الأبوين التمييز بين الأسلوبين وليعلموا أن النحّات لا بد له من توجيه ضربات خفيفة للأزميل الذي بيده ليقوم بنحت التحف وتشكيلها وإظهارها بشكل رائع وجذاب ولكن في حال تمادى في ضرب الأزميل بعنف وبلا هوادة فإنه لا بد وأن يتسبب في كسر التحفة الفنية وإفسادها في نهاية المطاف.
أخيراً (العصا لمن عصا) هي عبارة واقعية جدا وعملية إذا ما أحسنا استخدامها وأبدعنا في توظيفها وهي أسلوب قديم وفعّال للغاية أثبت وجوده ونجاحه على مر العصور وقد تربينا عليها منذ أن كنا صغارا سواء في البيت أو المدرسة وتعلمنا منها معنا الخير والشر فنشأت بفضلها أجيال على قدر عال من الأخلاق والمسئولية والانضباط والجد والاجتهاد.