وراء كل رجل عظيم (كتاب): القراءة وأثرها في تنمية العقل وإطلاق الفكر


يقول المثل الشهير (وراء كل رجل عظيم امرأة) وهي مقوله صادقة إلى حد بعيد ويمكننا في هذا المقام استنساخ مثل آخر من جنس الأول يقول (وراء كل رجل عظيم كتاب) وهي أيضا مقوله لا تقل صدقا عن الأولى بل هي مرادفه ومكمله لها، فالشغف بالقراءة والتعلق بالكتب والسطور هو أمر عظيم النتائج بالغ التأثير في عقول القارئين ومدارك المطلعين.

والقراءة كما يقولون هي غذاء العقل فكما أن الطعام غذاء الجسد فإن القراءة غذاء للعقل تساهم في نموه وازدهاره تماما كما يفعل الطعام بالجسد وعلى العكس من ذلك تماما فإن قلة القراءة والتي هي غذاء العقل تساهم أيضا في ضمور العقل وتمنع نموه وتقدمه.

ومن هنا يمكن القول أن الشخص الذي يقرأ يختلف تماما عن الشخص الذي يقرأ فالقارئ دائما ما تجده فصيح اللسان عظيم البيان، تتفجر المعارف من جوانبه وتتدفق المعلومات من رأسه، مثقف يتسم بالهدوء والتواضع، محبوب بين الناس الكل يسأله ويستفسر عن الأشياء منه، يعتبر مرجع ثقافي وصرح علمي، وكل هذه الصفات نجح في اكتسابها عندما سمح لعقله بالغوص في أعماق الفكر الإنساني وتقليب صفحت آلاف الكتب والمجلات حتى أدمن القراءة وأصبحت هوايته وأنيسه وجليسه المفضل فأثمرت القراءة العلم والمعرفة وأنتجت التواضع والبساطة والمحبة وهي ثمار طبيعية للعلم.

وعلى النقيض من ذلك تماما فإن الإنسان الذي لا يقرأ لا تجده مقيد بأي مبادئ ولا أسس ولا ضوابط تحكمه، يتصرف بما يمليه عليه هواه، تحركه رغباته يتسم بالتكبر والغطرسة (في كثير من الحالات وليس كلها) عشوائي غير منضبط جاهل بأبسط الأمور وهذه ثمار طبيعية للجهل وقلة الثقافة والإطلاع.


وعليه فإن القراءة تعتبر أحد روافد العلم الرئيسية وأدواته التي يُكتَسب بواسطتها وهناك علاقة طرديه مفادها أن زيادة القراءة تعني زيادة العلم وقلة القراءة تعني قلة العلم والمعرفة وهذه هي معادلة النجاح الحقيقية.


القراءة بين الأمس واليوم

في الماضي القريب كان الكتاب هو الرافد الرئيسي للمعارف والمنبع الأساسي للعلوم وكانت المعلومة حكر على صفحاته وكان بمثابة جهاز الكمبيوتر في عالمنا المعاصر وكانت البيوت عامرة بالكتب ورمز من رموز المثقفين وأرباب العلوم والمعارف، كما كانت المكتبات منتشرة في كل شارع إضافة إلى أكشاك بيع الصحف والمجلات التي لا يكاد يخلوا منها حي من الأحياء وكان ذلك العصر بحق عصر العلم والمعرفة والتنوير، ومنذ أن كنا أطفال صغار كنا مهتمين جدا بالكتب والمجلات نتسابق للحصول على آخر عدد من كل مجلة والتي كانت تصدر كل أسبوع في تشكيله ثقافية واسعة وغنية تشمل مجلة ميكي وميكي جيب وسوبر ميكي مرورا بمجلة سمير وماجد وغيرها الكثير من المجلات الشيقة والممتعة والغنية بالعلوم والمعارف والتي ساهمت بشكل كبير في تنمية ملكة القراءة والمطالعة عند كثير من الأجيال السابقة.


ولكن بمجرد إلقاء نظرة سريعة على واقعنا المعاصر فإنه يظهر لنا بجلاء حجم المأساة التي تعرضت لها القراء والكتب بشكل عام والانتكاسة البالغة التي حلت بعالم الثقافة والمثقفين وغاب الكتاب بشكل نهائي عن المسرح أو كاد، وحل محله جهاز الكمبيوتر والهاتف المحمول والذي كان من المفترض أن يحدث نقله نوعية في العلوم والمعارف ولكن ما حدث هو العكس من ذلك تماما.


وقد يختلف البعض معي في هذه النقطة وربما يقول قائل بل على العكس من ذلك فبعد عقود طويلة وسنوات عديدة أخيرا تحررت المعلومة من أسر الكتاب وأصبحت متاحة بمجرد كبسة زر بعد أن كانت لفترة طويلة من الزمن أسيرة الكتاب لا يستطيع أحد الحصول عليها إلا من خلال صفحاته، أما اليوم فلدينا محركات البحث والتي تستطيع من خلالها إيجاد ما ترغب وتعلم ما تريد مجانا.

وهذا الكلام صحيح في جانب توفير المعلومة وسهولة الوصول إليها، ونعلم جميعا أن استخدام الكمبيوتر يعتبر بمثابة تصفح كتاب مع فارق في الحجم والتكنولوجيا ولا يختلف اثنان على هذا الأمر فالقراءة من صفحات الكتاب هي نفس القراءة من شاشة الحاسوب، ولكن هناك فرق كبير بين المعلومة المجردة التي يقدمها موقع قوقل مثلا أو ويكيبيديا والمعلومة الموضوعة ضمن سياق معرفي شامل ومتكامل موضوع بين دفتي كتاب تبحر فيه إلى عالم المعرفة، فعندما اقرأ الكتاب من بدايته إلى نهايته فإنني أحيط بكل جوانب المعلومة وتفريعاتها وتفاصيلها إضافة إلى بعض الأمور الأخرى التي هي على علاقة مباشرة أو غير مباشرة بتلك المعلومة فتكون الحصيلة النهائية للقراءة مركزة ومثمرة على عكس محركات البحث التي يقتصر دورها على توفير معلومة محددة ومخصصة جدا.

إضافة إلى أن تكنولوجيا المعلومات المعاصرة قد اختلطت بشكل كبير بالملهيات والمؤثرات المرئية والصوتية والتي ساهمت بشكل كبير في الحد من القراءة فأصبح الشخص يفضل متابعة مقطع فيديو على قراءة صفحة من كتاب.


الفوائد المباشرة وغير المباشرة للقراءة

إن الفائدة الرئيسية المباشرة للقراءة والمطالعة تتمثل أساسا في اكتساب المعلومة والحصول على المعارف المتنوعة والتي تسهم بشكل كبير في تنمية الثقافة الشخصية وتعزز من فرص نجاح الشخص في الحياة العملية، وهناك فوائد أخرى غير مباشرة للقراءة ولكنها نتيجة طبيعية لها وتأتي معها ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولا : إن من أعظم فوائد القراءة وثمارها اليانعة هي إطلاق اللسان وتنمية مهارة الحديث والكلام، فالشخص فصيح اللسان لبق الحديث هو في الأصل شخص قارئ ومطلع قضى جل حياته وشبابه بين صفحات الكتب.

ثانيا : ومن فوائد القراءة أيضا تنمية موهبة الكتابة، فالقارئ الذي تشبع عقله بالنصوص والعبارات هو أقدر من غيره على رص الكلمات وترتيب العبارات وإنشاء المقالات والتأليف والإبداع.

ثالثا : تساهم القراءة في القضاء على أوقات الفراغ فكلما وجد الإنسان نفسه فارغاً ولديه الوقت فإنه سرعان ما يحتضن الكتاب ينهل من معارفه ويستزيد من موارده ويقضي به وقت فراغه، وهذا الأمر للأسف قد اختفى في عالمنا المعاصر وحل الهاتف الجوال محل الكتاب بل أنه تفوق عليه في استهلاك الوقت وسرقته وسحب بساطه من تحت الشخص فلا ينتبه إلا وقد ضاعت عليه الساعات الطويلة في تتبع توافه الأمور أو الانشغال بالمحادثات والمراسلات العقيمة والغير مثمره.






  • Share

    • 1972
    • 7,521