كتابة المقالات هي عملية تحتاج إلى الكثير من الخبرة و المهارة اللغوية و العلمية كذلك حتى تستطيع جمع المادة التي تريد صياغتها و عرضها للقارئ في صورة مقال جيد يحث القارى على قراءته. مع تغير العالم من حولنا وانتشار الانترنت أصبح هناك اتجاه عام في الكثير من المؤسسات الصحفية التقليدية للنشر الالكتروني عوضا عن النشر الورقي التقليدي حيث أن الخدمة الصحفية الالكترونية تعتبر أقل كلفة من عملية الطباعة و النشر بالاضافة للانتشار الواسع و اللحظي للمعلومة في جميع أنحاء العالم وتغير الاتجاه العام لدى الجيل الجديد من القراء الذين صاروا يفضلون الصحافة الرقمية عن الصحافة الكلاسيكية بحيث يمكنهم الحصول على المعلومة الجديدة في وقت قصير للغاية و بدون الحاجة إلى التقيد بمصدر واحد للمعلومة حيث يمكن للقارئ الآن الاختيار بين العديد من المؤسسات الصحفية مما يناسبه ويناسب أيديولوجيته الخاصة.
نتيجة لانتشار القراءة الالكترونية و بالتالي انتشار المدونات الشخصية والمواقع التي تعرض للأخبار و المقالات فقد تحول العديد من القراء من خانة القارئ لخانة الكاتب وينضم لسوق الكتابة الالكترونية كل يوم المزيد و المزيد من الكتاب الهواة و المحترفين كذلك.
هناك العديد من الفوارق بين الكتابة للمطبوعات الورقية و الكتابة الالكترونية ويخفق العديد من الكتاب الجدد في استيعاب الفوارق الكبيرة بين كل من نوعي الكتابة السابق ذكرهما. تتمثل الفوارق الجوهرية بين الكتابة الالكترونية و الكتابة الكلاسيكية في طبيعة القارئ الالكتروني و اختلافه الكبير عن القارئ الكلاسيكي. في هذا المقال سنعرض لبعض الفروق الجوهرية بين الكتابة الالكترونية وما عداها من الأنواع الأخرى:
1- القارئ الالكتروني دائما في عجلة من أمره:
يمكننا اعتبار أن القارئ الالكتروني هو عنصر الفصل بين طريقة الكتابة الالكترونية و الكتابة الكلاسيكية حيث أن القارئ الالكتروني دائما في عجله من أمره. يمكنه مصادفة عنوان لمقالتك وسط أطنان من المنشورات الأخرى التي تعرض عليه يوميا وسيكون عليه الاختيار بينها سريعا. عنوان جذاب قصير و صورة تلفت الانتباه يعتبران هما الوصفة السريعة لعملية اجتذاب القارئ لضغط الرابط وتصفح مقالاتك. عليك التعامل مع هذه الحقيقة في كل من طريقة عرض المقال و العنوان و الصورة و أيضا محتوى المقال نفسه.
2- العنوان يجب أن يكون أقصر:
نتيجة لسرعة تداول المعلومة و الزخم الناتج عن انضمام أطنان من المؤسسات لعملية النشر الالكتروني و القيود التي تنشرها محركات البحث الالكتروني مثل جوجل و بينج فقد صار من الحتمي تركيز و تقصير عناوين المقالات بحيث لا يزيد العنوان الرئيسي عن 50-60 حرف حتى يتسنى لك الظهور بشكل جيد على محركات البحث. يجب أن يكون العنوان قصيرا و مرتبطا بمحتوى المقال حتى يتسنى لمحركات البحث الربط بشكل جيد بين العنوان و المحتوى بحيث تحصل على نتائج أفضل في البحث الالكتروني.
3- محتوى المقال الالكتروني يختلف كذلك:
على عكس قراء الشبكات الاجتماعية فإن قارئ المقال الالكتروني يحب التبحر في المعلومات و السردية المطولة و سيكون عليك جمع أكبر قدر من المعلومات قبل البدء في كتابة مقالاتك وسردها بطريقة جيدة لتصل لطول اجمالي للمقال يتراوح بين 2000-2500 كلمة لكل مقال. تقوم محركات البحث بتخصيص نتائج بحث أفضل للمقالات الكبرى ذات المحتوى الكبير و الجيد و التي تقوم بشرح المعلومة بطريقة مفصلة للقارئ. لن تفيدك المقالات ذات المحتوى النصي القليل و التي تعتمد في أساسها على الصور الجذابة بدون شرح جيد للمحتوى بل بالعكس ستؤثر على تصنيفك على محركات البحث.
4- الكلمات المفتاحية:
لتصل لنتائج بحث جيدة عليك الاعتماد على كلمات مفتاحية غير تقليدية بحيث يمكن لمقالاتك التنافس عليها. يمكنك اختيار مترادفات للكلمات التقليدية واستخدامها خاصة في العنوان الرئيسي للمقال بحيث تستطيع التنافس مع عدد أقل من المنافسين وتتفوق عليهم في جودة ما تقدمه. تخيل معي مثلا هذا العنوان: أشهر شركات شبكات الجوال في الوطن العربي، في العنوان السابق بالاضافة الى أنه قد لا يجذب القارئ وخاصة أن القارئ قد يعلم بالفعل ما هي أشهر شركات شبكات الجوال في الوطن العربي ولكن هل تظن أنه بامكانك التنافس على كلمات (شبكات - جوال - الوطن العربي) مع شركات أخرى تقوم بانفاق الملايين على الدعاية من أجل الوصول للمستخدم ومن ضمنها بالتأكيد شركات الجوال. يمكنك عوضا عن العنوان السابق اختيار عنوان آخر مثل: هل تتفوق خدمات النقل الصوتي الالكترونية على مشغلي الخدمة التقليديين؟. في العنوان الثاني ستنافس على كلمات مفتاحية أكثر أصالة مثل (النقل الصوتي - مشغلي الخدمة - تقليديين). يمكنك أيضا الاستعانة بمحرك البحث جوجل حيث يتيح خدمة الكلمات المفتاحية التي يمكنك التنافس عليها بالاضافة لموقع (موز) الشهير الذي قد يعطيك فكرة عن تنافسية الكلمات المفتاحية التي تريد استهدافها.
5- طريقة العرض و التنظيم:
يجب عليك اختيار تصميم بسيط و سهل الوصول للقارئ بحيث تسهل عليه عملية تصفح المقال و البحث في المقالات الأخرى بالاضافة إلى اقتراح مقالات مشابهة ومرتبطة بالمقال الحالي حتى تدفع القارئ لتصفح موقعك وامضاء أقصى وقت يمكنه على الموقع بدون ايصاله لنهاية مغلقة بحيث يجد دائما المزيد و المزيد من المحتوى المفيد. من أساسيات العرض الالكتروني استخدام حجم مناسب للخط بحيث يستطيع القارئ قراءة المحتوى بدون الحاجة الى نظارات مكبرة و أيضا استخدام الصور و الفيديوهات بحكمة بحيث لا تسرف في استخدام المحتوى البصري على حساب المحتوى النصي.
6- الروابط الداخلية و الخارجية:
تحب محركات البحث دائما الابقاء على حركة تنقل المستخدمين بين المواقع بحيث لا يستحوذ موقع واحد على المستخدمين بدون الاشارة الى مواقع أخرى أو حتى روابط داخلية لنفس الموقع. على عكس الكتابة الكلاسيكية فسيتعين عليك الاشارة إلى مصادر و مواقع أخرى تساعد المستخدم على الاستمرار في تصفح المعلومة وهو ما يطلق عليه الروابط الخارجية في حالة قيامك باضافة روابط لمواقع أخرى خارج موقعك أو الروابط الداخلية في حال قيامك بالاشارة لروابط أخرى داخل موقعك نفسه. الروابط الخارجية سلاح ذو حدين فهي تفقدك وجود المستخدم على موقعك ولكنها تفيدك في وصول مستخدمين جدد لموقعك حيث ستكتسب سمعة طيبة على محركات البحث ولكن عليك الحذر كذلك فيجب أن تكون الروابط الخارجية ذات صلة بمحتوى المقال و يجب أن تحدد عددها ب3-5 روابط لكل مقال.
7- الأصالة:
تعتبر حقوق الملكية المهدرة من أكثر أسباب الاحباط و الفوضى في الفضاء السيبراني العربي حيث يميل الكثير من صانعي المحتوى لسرقة المحتوى الخاص بشخص آخر ونسبته إلى نفسه وستجد ذلك كثيرا في شبكات التواصل الاجتماعي حيث يقوم شخص ما بنشر منشورات تخص أشخاص آخرين طمعا في الشهرة و الانتشار بدون حتى الاشارة للناشر الأصلي للمحتوى. تقوم محركات البحث بمعاقبة سارقي المحتوى الالكتروني بتخفيض التصنيف العام للموقع في حال اكتشاف جوجل مثلا أن أحد المستخدمين قام بقص ولصق محتوى يخص شخصا آخر ويجب عليك أن تتفادى النقل النصي من مواقع أخرى. يمكنك الاقتباس في أضيق الحدود عن طريق ذكر الناشر الأصلي للمعلومة وعرضها بطريقة توضح اقتباس المعلومة حتى لا تتهم بالسرقة و التعدي على حقوق الناشرين الأصليين ولكي تتفادى عقاب محركات البحث الالكتروني.
8- العنوان هو آخر ما تكتبه:
عودة مرة أخرى لعنوان المقال وتعتبر هذه الطريقة كلاسيكية وتتبع كلا من الكتابة الالكترونية و الكتابة الكلاسيكية وهي اختيار العنوان بعد الانتهاء تماما من كتابة المقالات. تقوم شبكة فوكس نيوز بالاختيار بين 3-5 عناوين لكل خبر يقومون بنشره و يوجد أشخاص متخصصون في صياغة عناوين المقالات بعد انتهاء الكتاب الأصليين من تسليمها. عند كتابة المقال يمكنك البدء بعنوان ابتدائي يساعد في المضي قدما في المقال ثم مراجعة العنوان بعد انتهائك من كتابة المقال وقبل قيامك بعملية النشر و حتما ستقوم بالتعديل على العنوان الرئيسي بعد انتهائك من الصياغة النهائية بحيث تصل لعنوان أكثر جاذبية و ارتباطا بمحتوى المقال.
9- لا تسرف في النشر:
تقول الاحصائيات أن معظم المدونين يقومون بنشر مقال جديد كل أسبوعين. توجد العديد من الطرق التي يتبعها المدونون الالكترونيون، البعض يفضل كتابة مقال واحد كل شهر و البعض يمكنه كتابة مقال كل أسبوع و البعض يقوم بالنشر يوميا. ما يهم هو كفاءة المحتوى و أصالته و القيمة التي يضيفها للقارئ و يمكن لمقال واحد جيد شهريا أن يغنيك عن ثلاثين مقالا ذوي محتوى رديء و غير جذاب. اختر حلا وسطا حسب قدرتك على مراكمة معلومات و محتوى مفيد للقارئ و حسب فريق العمل أيضا فكلما زاد عدد أفراد فريق العمل زادت الانتاجية و الجودة ولا تعتبر القاعدة السابقة ثابتة فعليك في النهاية اختيار ما يناسبك.
10- لا تيأس:
تعتبر هذه النصيحة هي الأهم بين كل النقاط السابقة حيث يمكن لمدونتك الالكترونية أن تأخذ الكثير من الوقت و المجهود سواء في التصميم أو في عملية نشر المحتوى حتى تصل لنتائج بحثية مرضية بعد عدة أشهر أو حتى سنين طويلة. لا تيأس أبدا و حاول التطوير من نفسك قدر الامكان واكتساب مهارات كتابة و نحوية جديدة و طرق أفضل للبحث و مراكمة المعلومة ومن ثم انشاء محتوى جدير بالثقة لتحوز ثقة المستخدم. المواقع و المدونات الناجحة التي تراها اليوم قد تكون نتاج فرق عمل كبيرة و سنين طويلة من الخبرة و المواظبة على العمل باستمرار وليست نتاج اليوم. هناك ميزانيات اعلانية يتم انفاقها بالمليارات للاستحواذ على المستخدمين ولن يمكنك المناطحة بسهولة مع هذه المؤسسات وهؤلاء المشاهير ولكن عوضا عن ذلك يمكنك البدء الآن وكما يقول المدون الشهير نيل باتل: إن أفضل توقيت للبدء في مشروعك الخاص كان من عشرين سنة ولكن ثاني أفضل توقيت هو الآن. بمعنى أن لا تتأخر في البدء في مشروعك الخاص حتى ولو كنت فقدت الكثير من الوقت في السابق ولكن يمكنك دوما البدء الآن و أي تأخير سيعرض لتأخير النجاح في المستقبل.